إيران.. آخر الطب الكيّ
الاستماع للمقال صوتياً
|
مرح البقاعي
تحاول الميليشيات الإيرانية – أو تلك المشتقّة عنها في العراق وسوريا واليمن – أن تستهدف القوات الأميريكية وحلفاءها أينما تسنى لها ذلك. كان آخر هجماتها في شهر أغسطس/آب الفائت في شمال سوريا، ما أدى إلى ضربات جوية أميركية مقابلة رداً على الهجوم. وأفاد الجيش الأميركي في حينها أن جندياً أميركياً واحداً على الأقل أصيب بجروح طفيفة، في حين قُتل ما يصل إلى ثلاثة من المسلحين من عناصر الميليشيات المدعومة سلاحاً وتدريباً من إيران.
التهديدات الإيرانية الأخيرة للمملكة تأتي نتيجة اعتقاد موهوم لدى حكومة طهران بأن السعودية تقف وراء الاحتجاجات الشعبية التي عمّت مدن إيران الكبرى والصغرى، دون الالتفات إلى الأسباب الرئيسة لهذه الاحتجاجات التي اتسمت بالطابع السلمي والشبابي، وقد غلب فيها صوت نساء إيران ومطالبهن الواضحة بالحرية والعدالة الاجتماعية.
يتعامى من يديرون دفة الجحيم الإيراني عن حقيقة سافرة مفادها أن هذا الخروج الشعبي الكبير في شوارع المدن ومؤسساتها وجامعاتها، إنما ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير. كما أنهم يقفون في دائرة الإنكار المغلقة على نفسها في معاينة أسباب هذا الخروج المتعاظم، والذي يتعلّق مباشرة بحالة القمع الشديد التي يخضع لها المواطن الإيراني، والتي تضاف إلى حزمة من معاناته اليومية في الحصول على لقمة العيش، والتضييق على الحريات الفردية، والحواجز أمام مزاولة الحق الإنساني الطبيعي في اختيار أسلوب الحياة المناسب له ولأفراد أسرته دونما قسر أو تدخل من دولته وأجهزتها الأمنية.
يتعامى من يديرون دفّة ذاك الجحيم عن أن الصاعق الذي أطلق نيران الاحتجاجات إنما هو حال الاستبداد والعنف المبالغ الذي يمارسه “حرس الثورة” على المدنيين، دون مراعاة لحقوق البشر في الدفاع عن كرامتهم التي هي سبب وجودي يرتبط بالحياة الإنسانية أصلاً.
الاحتجاجات جاءت كالقشة التي قسمت الظهر، وذلك إثر مقتل الشابة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، على يد قوات الشرطة التي اعتقلتها من الشارع العام بزعم انتهاكها تعليمات لباس المرأة بصيغته الخمينية الصارمة المفروضة على النساء دون اختيارهن في إيران، وبحجة عدم إخفائها خصلة من شعرها كانت تظهر لعيون الحرس الثوري من تحت غطاء الرأس الأسود.
قواعد لعبة الاضطهاد وإلغاء كل صوت يتجرأ على مانيفستو ملالي طهران الوضعي، لم تختلف منذ أن وصل الخميني إلى الحكم في طهران، وبتمكين فرنسي في حينها. ومشهد الشهيدة الإيرانية ندا سلطان، التي سقطت على أسفلت الشارع مضرجة بدمائها إثر إصابة مباشرة من بندقية قناص كانت تتربص للمتظاهرين السلميين في طهران في العام 2009 خلال أحداث ثورة إيران الخضراء، وحتى تاريخ استشهاد مهسا في العام 2022، لم يتغيّر البتة.
قد يكون هناك افتراق بين مقتل الشابتين في زمن الحدث الأليم، إلا أن المكان واحد والقاتل واحد أيضاً. إنه خط متصل من العنف المباشر والقمع الوحشي لكل صوت حر ينادي بالإصلاح السياسي في أروقة الحكم السوداء التي يديرها منذ عقود متطرفون يخفون نزعتهم التسلطية المستبدّة تحت نقاب الدين والشريعة، وهما منهم براء.
وبينما يحاول حكّام طهران إخفاء عورة فشلهم الداخلي في إدارة أزمات البلاد وحتمية إحقاق العدالة وصون الحق الإنساني للشعب الثائر عن بكرة أبيه، يلجأوون إلى الاستقواء على دول الجوار والتهديد بإغراق المنطقة بأسرها في دوامة الحروب المتنفلة التي جنّدوا لها ميليشياتهم العابرة للحدود/ الخارجة على القانون.
أما الولايات المتحدة، فتسعى جاهدة، وبكل الوسائل المتاحة، سياسية جاءت أم عسكرية، لاحتواء التغوّل الإيراني الذي تجاوز كل الحدود، وكذا ترسل رسالتها المباشرة على متن القاذفات العملاقة B-52، بأن اليد التي ستتطاول على الأمن القومي الأميركي، أو أمن الحلفاء، هي يد آن أوان ليّها أو حتى بترها حين يكون آخر الطب هو الكيّ.
نُشرت أولا على موقع تلفزيون سوريا