اليوم التالي لخسارة الديمقراطيين
الاستماع للمقال صوتياً
|
رأي بقلم بوبي جندال
نقلته للعربية ريهام الحكيم
في اليوم التالي لانتخابات الكونغرس، وبمجرد أن يتضح أن الديمقراطيين قد فقدوا مقاعدهم، فإن الكثير من وسائل الإعلام ستلقي بلا شك محاضرة على الجمهوريين حول أهمية تبني الشراكة الحزبية والاعتدال. وستنصح ذات المنابر الإعلامية الجمهوريين بتجاهل عامين من تجاوزات الديمقراطيين التي غذّت إحباط الناخبين وصبت في صالح الحزب الجمهوري في العديد من مجالات التنافس.
من الأفضل للجمهوريون أن يتجاهلوا تلك النصائح، ويستمروا في الدفاع عن السياسات المحافظة كتصحيح للمسار الذي يطالب به الناخبون.
أظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة تأييد الديمقراطيين لا تتحسن مع تركيز الدعاية الانتخابية للديمقراطيين على الحديث عن إنجازاتهم، ومحاولة بيع حلول سياسية لا تتناسب مع المشكلات التي يهتم بها الناخبون.
وفي عودة إلى عهد مضى، فقد تم انتخاب باراك أوباما رئيسا لمواجهة أزمة الإسكان وما نتج عنها من مذبحة اقتصادية في ذلك الوقت. ولكن، وبدلا من الاهتمام بالأزمة، أنفق رأس ماله السياسي على تدخل حكومي غير مسبوق في مجال الرعاية الصحية. ثم انتخب جو بايدن من أجل احتواء أزمة COVID-19 وما نتج عنها من أضرار اقتصادية، وبدلا من ذلك أنفق رأس ماله على الدعم الحكومي لمشتريات الطاقة الخضراء المفضلة.
ومن المفارقات، أن الديمقراطيين فعلوا الشيء ذاته الذي اتهموا الجمهوريين بفعله، وهو تبني مواقف ثقافية متطرفة ترضي قاعدتهم الانتخابية على حساب العديد من الناخبين المتأرجحين في الضواحي.
وتحول الخطاب الديمقراطي من القول بأن الإجهاض يجب أن يكون “آمنا وقانونيا وفي حال الضرورة”، إلى القول إنه يجب “الدفاع عنه دون قيود” وأنفقوا الملايين على إعلانات الإجهاض.
كما تجاهل الديمقراطيون حاجات الطلاب لإرضاء “نقابة المعلمين”، ودافعوا عن إغلاق المدارس المطول وسياسات التطعيم الإلزامية. كما شددوا على دروس تتعلق بنظرية العرق الجدلية (Critical Race Theory) في وقت تتراجع فيه دروس القراءة والرياضيات بسرعة.
في التسعينيات، كافح الديموقراطيون، بقيادة بيل كلينتون وجو بايدن، ليكونوا حزب “القانون والنظام”، وكان ذلك فقط لتبني الدعوات بوقف تمويل الشرطة، وإنهاء الكفالة النقدية، وإضفاء الشرعية على تعاطي المخدرات.
يعتمد خطاب الديمقراطيين على تجنب النقاش حول مزايا سياستهم، والإدعاء بأن التصويت للجمهوريين هو تصويتا لإنهاء الديمقراطية في البلاد – وليس استفتاء على أداء الديمقراطيين الكارثي وغير الشعبي.
شجعت وسائل الإعلام ضمنيا الديمقراطيين على تجنب النقض الذاتي، عندما نفى بايدن أي صلة بين إنفاقه الباهظ على فيروس كورونا، والإنفاق غير الدستوري على قروض الطلاب، ومعدلات التضخم المرتفعة في البلاد. واتخذ خطوات لعرقلة إنتاج النفط والغاز المحلي وألقى محاضرات على شركات الاستكشاف التي تواجه خطر الانقراض.
تجاهل الديمقراطيون في خطابهم الإنتخابي مخاوف الناخبين بشأن تفشي ظاهرة التشرد، وأسواق المخدرات، وأعمال العنف المنتشرة، والسرقات في البيع بالتجزئة. وخَيّر الديمقراطيون الناخبين بين ملء خزانات الغاز أوشراء المواد الغذائية والبقالة، أو بين شراء سيارة كهربائية أو استخدام وسائل النقل العام.
وناشد كلا من الناشطين الديمقراطيين James Carville و Stan Greenberg، الديمقراطيين التخلي عن سياسات الهوية الحزبية والتركيز على مخاوف الناخبين الاقتصادية، معتبرين أن تصور الحزب لذاته كقوة خالصة من أجل الخير يعيق قدرته على إجراء المراجعة الذاتية الضرورية لتصحيح المسار.
وحيث يرى الليبراليون أنفسهم أنهم يحمون الكوكب من التهديد الوجودي للكربون، والأقليات من العنصرية والتمييز على أساس الجنس، كانوا في الوقت ذاته يرفضون المعتقدات الدينية التقليدية، ويعيدون توجيه حماسهم وإيمانهم باتجاه صراعات حول تغير المناخ ونزاهة الانتخابات. إنهم بذلك يحفزون المانحين والقاعدة الحزبية، لكنهم يبتعدون عن الناخبين الذين مازال من الممكن كسب صوتهم.
ستزداد الأمور سوءا بالنسبة للديمقراطيين قبل أن تذهب باتجاه التحسّن. فاز بايدن بترشيح حزبه لأنه ليس بيرني ساندرز، وفاز في الانتخابات العامة لأنه ليس دونالد ترامب. يبدو أنه أقل استعدادا لخوض سباق آخر، حيث يفتقر الديمقراطيون إلى بديل يمكنه تحقيق هذين المعيارين.
من هو الديمقراطي الذي يمكنه الفوز في الانتخابات التمهيدية من خلال جذب الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي والمتأرجحين في الضواحي من غير المؤيدين للرسالة المتطرفة التي يقدمها ساندرز وإليزابيث وارين؟ من يستطيع أن يفوز من خلال جذب ناخبي الطبقة العاملة؟
استثمر بايدن بعقود من العمل في السياسة الحزبية والخدمة المخلصة كنائب لرئيس أوباما ليؤكد للناخبين أنه ليبرالي بما فيه الكفاية، وكذا استخدم سيرته الذاتية وإيمانه الكاثوليكي ليؤكد في الانتخابات الرئاسية في العام 2020 أنه معتدل بما يكفي. إلا أن العديد من هؤلاء صوتوا اختاروا اقتصاد ترامب وليس لدراما بايدن.
لقد أضرت وسائل الإعلام المتعاطفة مع الديمقراطيين من خلال حمايتهم من عواقب أفعالهم أكثر مما نفعت، ولم تساعدهم على إتباع مثال كلينتون والتعلم من خسائرهم شبه المؤكدة في منتصف المدة.
أما الجمهوريون فسيستعيدون بسرعة حماسهم لمسؤوليتهم المالية، وسيكون من الجيد للديمقراطيين التعاون معهم.
لقد كان بايدن في وضع فريد يمكّنه من ردّ المواقف المتطرفة لحزبه وتحقيق آمال وتوقعات الناخبين المعتدلة، لكنه اختار الحزب وليس طموح الجماهير. لذا فالديموقراطيون ليسوا في وضع مريح يسمح بالبحث عن خليفة له.
*بوبي جندال (Bobby Jindal) هو حاكم ولاية لويزيانا من العام 2008 إلى 2016 ومرشح الحزب الجمهوري للرئاسة العام 2016.
المصدر: Newsweek