حتى أنتِ يا كلينتون!
الاستماع للمقال صوتياً
|
مرح البقاعي
صَرَفَ اليسار الأميركي الديمقراطي، بجناحيه المعتدل والليبرالي التقدّمي، عامين على أقل تقدير من عمر السياسة الأميركية الديناميكية، في التنديد بمحاولات الرئيس الأسبق دونالد ترامب، وأنصاره من الجمهوريين واليمين المتشدّد أيضاً، قلب نتيجة الانتخابات في العام 2020 والتشكيك بنزاهتها واتهام اليمين بتزوير نتائجها، ما دعا إلى تصاعد الأحداث في واشنطن في ذلك الوقت، إلى أن تداعت الأمور مهاجمة مقر الكونغرس في السادس من شهر يناير من العام 2021 من قبل متطرفين يمنيين أطلق عليه الديمقراطيون لقب ’إرهابيون محليون’.
هذا الجدل مازال دائراً في الأوساط والمسارات السياسية في واشنطن، وتصاعدت نبرته بقوة ونحن على بعد أيام معدودات من الانتخابات النصفية الأميركية، حيث تشير معظم الاستطلاعات أنها ستشهد خسارة مدوّية لحزب الرئيس بايدن الديمقراطي وتمثيله في مجلسي النواب والشيوح في آن.
إلا أن ما يثير العجب هنا أن تأتي السيدة هيلاري كلينتون، العضو البارز والحصيف في الحزب الديمقراطي، وتستبق نتائج الانتخابات – تماماً كما فعل منافس حزبها الرئيس ترامب – لتقول إنه “إذا مافاز الجمهوريون في الانتخابات فهذا يعني تزويراً أكيداً من طرفهم، بل هي ’سرقة’ واضحة لنتائجها”!
كلينتون، وفي هذا التصريح الأخير الأكثر جدلية الآن في واشنطن، والذي جاء ضمن إعلان انتخابي مدفوع الثمن لصالح جمعية لليبراليين التقدميين، إنما تناقض الفكرة المركزية السائدة في أدبيات الحزب الديمقراطي، بشقّيه الرسمي الحزبي والشعبي المناصر، ومفادها أن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 سُرقت أو شُوّهت بالقدر الذي “يعرّض ديمقراطيتنا للخطر” كما يتقوّلون.
كلينتون ذهبت بعيداً في أفكارها وحذّرت أنه “في حال حدوث ما توقعته في الانتخابات النصفية، فإن الانتخابات الرئاسية للعام 2024 لا يمكن أن تُحسم عن طريق التصويت الشعبي أو حتى عن طريق الهيئة الانتخابية التي عفا عليها الزمن، ولكن سيتم حسم نتائجها من خلال المجالس التشريعية في الولايات التي يسيطر الجمهوريون على معظمها”.
لطالما استخدم الديمقراطيون وأنصارُهم، أحداثَ الشغب التي وقعت في مقر الكونغرس المعروف باسم الكابيتول، لتعزيز الرواية القائلة بأن أي شخص يشكك في شرعية الانتخابات الرئاسية للعام 2020 يمثل “تهديداً لديمقراطيتنا”.
في خطاب ألقاه الرئيس بايدن في سبتمبر 2022 ضمن حملته لدعم مرشحي حزبه في انتخابات الكونغرس النصفية، قال: “إن إنكار نتائج الانتخابات يمثل تهديداً سافراً للديمقراطية الأميركية”، وأردف: “الجمهوريون من حركة MAGA الذين يدعمون الرئيس السابق دونالد ترامب يمثلون خطر التطرف في مجتمعنا”.
وفي عودة سريعة للتاريخ، نرى أن رفض نتائج الانتخابات ليس بالأمر الجديد على كلينتون والديمقراطيين. ففي العام 2002، أعلنت كلينتون أن الرئيس السابق، جورج دبليو بوش، “تم اختياره وليس انتخابه”. وعادت أيضاً إلى الموّال نفسه في العام 2019 حين وصفت دونالد ترامب بأنه “رئيس غير شرعي” إثر خسارتها أمامه في انتخابات الرئاسة للعام 2016.
إنها معايير مزدوجة لا يمكن تفسير ظواهرها حين يقوم قادة ديمقراطيون، مثل كلينتون وبايدن، بإنكار نتائج أية انتخابات لا تسير في طريقهم، وفي الوقت عينه يدعون إلى نبذ الجمهوريين وفضحهم ونعتهم بـ “المتطرفين” و”الإرهابيين” لتجرؤهم على التشكيك في نزاهة انتخابات العام 2020.
فصل المقال يكمن في الموقف الشعبي من هذا الهراء التسويقي قبيل أيام من الانتخابات الحاسمة القادمة في 3 نوفمبر، حيث يبدو أن جماعة الرئيس بايدن أيقنوا أن الأوضاع الاقتصادية التي آلت إليها البلاد ستكون هي من سيحسم القرار الشعبي لصالح الجمهوريين، وليس “تزويراً” لأصوات الناخبين يروّجون له مسبقاً.
كما أن عامان من حكم الديمقراطيين شهدا طيفاً واسعاً من فوضى القرار الحكومي والاستقطاب الحزبي، والتخبّط اللافت في صناعة السياسات ولاسيما الاستراتيجية الخارجية، وإنفاقاً هائلاً من جيب الناخب الأميركي الذي يعوّل على الإصلاح الداخلي أولاً لتأمين متطلبات الحياة اليومية الكريمة له ولأسرته في أغنى بلد في العالم يُفترض أن يتمتع مواطنوها بقدر موازٍ لثروتها من الرفاهية؛ هذه العوامل مجتمعة هي من سيحدّد نجاح أو سقوط طرف سياسي بعينه في دولة الديمقراطية العريقة والمتأصلة التي تمثّلها الولايات المتحدة الأميركية.