التاريخ الأميركي الذي يجب ألا يتكرّر
الاستماع للمقال صوتياً
|
مرح البقاعي
كتب جورج سانتايانا، الفيلسوف والشاعر الأميركي من أصل إسباني، في كتابه الشهير الذي يحمل عنوان ’حياة العقل’: “أولئك الذين لا يستطيعون تذكُّر الماضي محكوم عليهم بتكراره”.
ومن المتاح أيضاً قراءة العلاقة بين الماضي والحاضر بطريقة مغايرة كأن نقول إن الذين لا يستطيعون التوقّف عن رؤية العالم من منظور الماضي محكوم عليهم بعدم الاستعداد للتغيير.
تفيد تراكمات التجربة السياسية الأميركية على مدار عشرات السنين، وانعكاسها المباشر على صناديق الانتخابات، أن عرفاً سياسياً تشكّل في واشنطن مفاده أن أحد الحزبين الكبريين المتنافسين (الديمقراطي والجمهوري)، حين يكون أحدهما خارج البيت الأبيض، عادة ما يفوز بأغلبية مقاعد الكونغرس في الانتخابات النصفية.
وإذا صح التقليد الأميركي وأيضاً نظرية سانتايانا، ففي حالتنا الراهنة من المرجّح أن يكون للحزب الجمهوري الأغلبية في الانتخابات النصفية القادمة، بينما سيتراجع حزب الرئيس بايدن الديمقراطي إلى موقع الأقلية الحزبية في مجلسي الشيوخ والنواب.
الجمهوريون يتابعون تمسّكهم بترشيح المؤيدين لحركة الرئيس الأسبق، دونالد ترامب، والتي ترفع شعار “لنجعل أميركا عظيمة مجدّداً” وتُختصر بأربعة حروف انكليزية MAGA، وذلك بالرغم كل ما حدث ويحدث نتيجة هجوم لبعض عناصرها من المتشدّدين على مبنى الكونغرس في واقعة 6 يناير الشهيرة، التي تلت خسارة ترامب للانتخابات الرئاسية في العام 2020.
فالبيانات الأساسية واستطلاعات الرأي لا تزال تشير إلى تقدّم الجمهوريين نحو استعادة السيطرة على مجلس النواب من جهة، واحتمالات عالية لشغلهم المقعد الوحيد الضروري لاستعادة الأغلبية في مجلس الشيوخ أيضاً، بالرغم من أن المرشحين في الولايات المتأرجحة – والتي تحدد عادة نتيجة الانتخابات مثل بنسلفانيا وأريزونا ونيو هامشير – ينتمون بأغلبيتهم إلى اليمين المتشدّد.
من الجلي اليوم أن الطريق أصبح ممهداً أمام الجمهوريين لاستعادة الأغلبية في مجلس الشيوخ، فهم يحتاجون لمقعد واحد لاستعادة القبضة عليه. بينما لن يحتاج الأمر إلى “موجة حمراء” لاستعادة مجلس النواب، فزعيم الأقلية الجمهورية، كيفن مكارثي، سيحتاج فقط إلى خمسة مقاعد للحصول على الأغلبية.
يبقى لنا أن ننتظر لنرى نتائج الصناديق التي ستحدّد مدى قدرة الجمهوريين على حصد المزيد من المقاعد في مجلس النواب بما يتجاوز الخمسة مقاعد حتى يتمكنوا من الإدارة بأغلبية مريحة سترجّح الكفة لصالحهم خلال العامين المقبلين، ما يمهّد لانتصارهم المتوقّع في الانتخابات الرئاسية للعام 2024 في حال توصلوا إلى ترشيح شخصية جمهورية توافقية لاخلافية، أرجّخ أن تكون من الشباب الجمهوري الذي يخطو بقوة نحو المقدّمة هذه الأيام.
أما ترامب، الغائب الحاضر، فيكفيه أنه أسس لحركة لافتة في الحياة السياسية الأميركية تحمل بصمته الوراثية في السياسة واسمه (Trumpism)، حركة أصبح لها أتباعها ومؤيدوها، وقد تتحول في المستقبل إلى حالة حزبية متكاملة.
أما عن نفسي، كأميركية من أصل سوري تنتمي إلى الحزب الجمهوري منذ 25 عاماً، فلا أشجّع مطلقاً ترشيح دونالد ترامب من جديد لانتخابات الرئاسة في العام 2024، فنحن بحاجة حقيقية إلى تجاوز مرحلة ترامب كفرد، مع التأكيد على منافع الحقبة الترامبية وإيجابياتها – رغم كل ما اعتراها من اضطرابات – على أقل تقدير في “عدم تكرارها للتاريخ”.