ميزان المصلحة الوطنية مقابل العلاقة مع الحليف التاريخي
الاستماع للمقال صوتياً
|
بسام أبو طوق
القرار الذي اتخذته أوبك + قبل أسبوع بتخفيض الإنتاج النفطي بغية الحفاظ على مستوى الأسعار، أثار ضجة عالمية كبرى وعلى الخصوص لكونه أتى في سياق صراع مستعر بين روسيا وأوكرانيا وخلفها الغرب وأمريكا.
منظمة أوبك + وهي أوبك موسعة، تضم بالإضافة إلى 13 دولة عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط عشر دول أخرى منتجة للنفط من خارج المنظمة وفي مقدمتها روسيا. ولكن نظراً لدور المملكة العربية السعودية الطاغي في سوق النفط العالمي فلها الدور الأكبر في قرارات أوبك +، وهي عادةً تتحمل النسبة الأكبر في قرارات التخفيض هذه.
قرار تحديد أسعار النفط دورياً لا يعود لمصالح سياسية لأعضاء منظمة أوبك ولا لصيغتها الموسعة، بل هو يلاحق تقلبات العرض والطلب في السوق العالمية، ويساهم في تقليص الاستهلاك العالمي للنفط من خلال الاسهام في دفع الاقتصاد العالمي نحو الركود والاستقرار.
إلا أن هذا القرار جاء في سياق أزمة عالمية سياسية أكثر منها اقتصادية ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وارتدادات ذلك على الاقتصاد العالمي والأوروبي بشكل خاص، حيث سيستفيد الاقتصاد الروسي من ارتفاع أسعار المحروقات والغاز بشكل خاص، ويعوضه ذلك جزئياً عن الخسائر التي يتكبدها والناتجة عن المقاطعة الأوربية المتصاعدة، ولذلك تبدى قرار أوبك+ بأنه يخدم المصلحة الروسية، ويحرج الموقف الأوروبي والأميركي الذي يسعى إلى محاصرة اندفاع الآلة العسكرية الروسية وردع شكيمتها.
وبعيداً عن الاعتبارات الاقتصادية الحيادية في تحليل وموازنة المخاطر فالسؤال المطروح: ماهي مصلحة المملكة العربية السعودية في هذا القرار من حيث إنها صاحبة الهامش الإنتاجي الأكبر؟
تشير الدلائل إلى أن محصلته ستكون تقليصاً للطلب العالمي، وهذا يتنافى مع مصلحتها الحقيقية ومع التزامها العام والتاريخي منذ اتفاق كوينسي بين الملك المؤسس عبد العزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام1945، وما تبعه من توافقات سياسية وأمنية واقتصادية، وتكللت منذ أكثر من نصف قرن بمصالح مشتركة في تسيير سوق النفط العالمي.
ولهذا فالرئيس الأميركي بايدن الذي أعرب عن خيبة أمله من هذا القرار، يواجه الآن ضغوطا داخل صفوف حزبه من قبل الداعين إلى معاقبة المملكة بسحب الحماية العسكرية عنها، وقد سبق لمنصة وايت هاوس إن أرابيك أن نشرت مداخلة السيناتور الديموقراطي البارز ريتشارد بلومنتال الذي يقترح أن “الوقت قد حان لتستخدم الولايات المتحدة نفوذها على المملكة”.
تشير استطلاعات الرأي ومنها استطلاع وايت هاوس إن أرابيك إلى أن تأثر العلاقات الأميركية-السعودية بقرار أوبك + سينعكس سلباً على حزب بايدن في هذا التوقيت الحرج، وله تداعياته الأمريكية الداخلية العميقة. فثمة قناعة باتت راسخة لدى الديموقراطيين بأن هذا القرار ذو الغطاء القيادي السعودي الضاغط نحو توجيه أسعار النفط إلى الارتفاع، إنما يعزز من فرص الجمهوريين في الانتخابات النصفية المقبلة وهنا مربط الفرس.
ولابد من الإضاءة على عواقب لا تبرز في هذا الجدال الاقتصادي، ولكن لها مخاطرها الكامنة بعيدة المدى، فمثل هذه القرارات تعزز الشعور الأوروبي بأن الارتهان للطاقة الأحفورية مصدر لضرر متعدد الأوجه، فمنه الضرر البيئي ومنه السياسي. وبما أن المحروقات باتت أكثر فأكثر سلاحاً سياسياً بأياد خارجة عن السيطرة الأوربية، فهذا سوف يسّرع المساعي الأوروبية للاستغناء عن الطاقة الأحفورية من خلال تطوير مصادر الطاقة البديلة أو المتجددة.
وكما يطالب النواب الأمريكيون بايدن بمراجعة سياسته تجاه السعودية، فإن القيادة السعودية مطالَبة بمراجعة تداعيات قرار التخفيض هذا، وموازنة حساب المغانم والخسائر الناتجة عنه، بما يحفظ مصالحها الوطنية، وفي الوقت عينه يُثمّن العلاقة مع الحليف التاريخي الأمريكي ولا يدير له الظهر عند أول مفترق سياسي عابر.