هل ستبشّر الانتخابات النصفية الأميركية بعودة “الترامبية” إلى واجهة السياسة؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
بسام أبو طوق
تجري انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي في الثامن من نوفمبر المقبل للعام 2022، وهي انتخابات عامة تتجدد كل عامين حيث يقوم الناخبون الأمريكيون بتجديد ثلث مقاعد مجلس الشيوخ أي 95 مقعداً من أصل 100، وجميع مقاعد مجلس النواب البلغ عددهم 435 بالإضافة إلى 36 حاكماً من أصل 50 حاكم ولاية، وتعتبر هذه الانتخابات اختباراً للرئيس في منتصف ولايته الرئاسية فهي بمثابة استفتاء على إدارة الرئيس٠
وكما هي الحال منذ عقود فاللعبة الانتخابية تقتصر على صراع الحمار الديمقراطي الأزرق والفيل الجمهوري الأحمر، الجمهوري الأحمر، حيث يسعى الجمهوريون للسيطرة من جديد على الغرفة الأعلى في الكونغرس – أي مجلس الشيوخ – بنسبة مؤكدة، مقابل التعادل السائد الآن مع أفضلية للديمقراطيين عبر الصوت المرجح لنائبة الرئيس كاميلا هاريس.
كما يريد الجمهوريون استعادة الهيمنة مرة ثانية على مجلس النواب وينقصهم لذلك خمسة مقاعد، بينما يسعى الديموقراطيون للحفاظ على سيطرتهم على مجلس النواب وتعزيزها ما أمكن وإجراء تقدم يكفل لهم السيادة المطلقة مجلس الشيوخ بما يمكنهم من تمرير كافة مشروعات قوانين وبرامج الرئيس بايدن ودعم سياساته المختلف عليها في الداخل الأمريكي٠
ورغم أن هذه الانتخابات لا تتعلق بالمنصب التنفيذي الأول، إلا أن الرئيسين الحالي بايدن، والسابق ترامب، يتعاملان معها على أنها أشبه بمعركة شخصية وإثبات أو إنكار حق يعود لنتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة. فهما يتسابقان لزيارة الولايات مع التركيز على المتأرجحة منها، ويتبادلان الخطابات النارية والحملات الشرسة، وهذه المواجهة بينهما تبدو كأنها إعادة لحملة 2020 وأن كان تغيير في المواقع قد حصل بين شاغل المنصب ومنافسه٠
والسؤال المطروح في هذا السياق هل قدّم بايدن وإدارته ما يكفي لتحقيق انتصارات للديمقراطيين، أم أن ما جرى منذ أكثر من عام ونصف على دخول البيت الأبيض يجعل انتصار الجمهوريين في غرفتي الكونغرس شبه مؤكد٠
إن شعبية الرئيس وحالة البلاد الاقتصادية عاملان يؤثران على هذه الانتخابات، وهما في تغير مستمر، ولا يمكن الجزم بأن الانتخابات النصفية ستكون نسخة مماثلة لنتائج الانتخابات الرئاسية. فلم تحدث حتى الآن التطورات المرجوة ديموقراطيا على الساحتين الداخلية والخارجية لتغير ميول الناخبين التي بدأت تميل للكفة الجمهورية، وقد أخفق الرئيس بايدن في القضاء على الظاهرة الترامبية وجمهورها المتراص بعدد يفوق 75 مليوناًً، ولم يستثمر الفرص الجيدة التي سنحت له خلال رئاسته، ولا يزال الاستقطاب على أعلى مستوياته في تاريخ الولايات منذ الحرب الأهلية، وعلى كافة الأصعدة العرقية والأيديولوجية والحزبية والثقافية ولم يستطع بايدن خلخلة هذا الاستقطاب٠
هناك نكتة يتم تداولها في المواسم الانتخابية بأن الجمهوريون يجمعون الأموال في ولايتهم ثم يأتي الديموقراطيون ليصرفونها! فمعيار الهم الانتخابي وهو الاقتصاد والعائد المادي الأسبوعي لم يتحسن منذ أن تولى بايدن الرئاسة، بل على العكس تراجعت الأوضاع ما بين تضخم وارتفاع اسعار وقرارات غير يقينية تجاه الخارج٠
ومن النكسات الأخيرة التي تعرض لها الديموقراطيون سلسلة القرارات التاريخية التي اتخذتها المحكمة العليا مثل إلغاء حق المرأة في الإجهاض، وتسهيل حمل الأسلحة علناً، ثم جاءت الخيارات المحدودة للرئيس وإدارته في ضبط الأسعار القياسية للأغذية والمحروقات فخلفت شعوراً من الإحباط واليأس في أوساط قادة الحزب الديمقراطي. فمن واصفٍ للبيت الأبيض بأنه سفينة لا دفة لها تبحر تائهة بلا أمل، إلى قائل بأن البلاد تبدو كقطار يسير بسرعة هائلة على سكة المجهول بفرامل معطلة، صور قاتمة تأتي على لسان زعماء ديمقراطيين وتجعل من حماستهم للحفاظ على سيطرتهم الضعيفة أصلًا على مجلسي الكونغرس متدنية٠
كما يعاني الجمهوريون من انشقاق جديد حاصل في صفوفهم، وقد نشأ نتيجة إصرار ترامب على الانتقام من أعضاء الكونغرس الجمهوريين العشرة الذين رفضوا تأييد جهوده في الانقلاب على نتيجة الانتخابات الرئيسية التي خسرها عام2020، وعلى رأسهم أقوياء راسخين في الحزب الجمهوري مثل ليزا تشيني وتوم رايس. ولكن هذه الخلافات بقدر ما تشكل علامة ضعف وتشتت قد تؤدي الى مزيد من التراص والانسجام٠
تبدو استراتيجية بايدن في هذه الانتخابات بسيطة، فهو لا يريد لها أن تكون بمثابة استفتاء على رئاسته التي تضررت بالتضخم وانخفاض الروح المعنوية، ولكنه يريدها خيارا بين الطبيعي والتطرف، فإذا سئل الأمريكيون هل يدعمون بايدن ربما يجيبون بالنفي، ولكن إذا سئلوا هل سيدعمونه مقابل ترامب فهنا يراهن بايدن على إجابة أفضل٠
فهل يكرر التاريخ نفسه ويحصل ترامب وأنصاره على تصويت “عقابي” مرة أخرى؟ لا شك أن الظروف تغيرت، فترامب الآن في موقع المعارضة، وهو المظلوم الذي يتعرض للاستهداف والتفتيش، بينما بايدن هو الحاكم الذي يُحاسب إذا تجاوز سلطته وصلاحياته.
وكنمط متكرر في التاريخ الأمريكي مع بعض الاستثناءات، في الغالب يخسر حزب الرئيس عدداً من المقاعد في الانتخابات النصفية. أما في ظل التقارب الكبير في عدد المقاعد الكلي بين الحزبين في الكونغرس، فخسارة أي عدد آخر من المقاعد هي ضربة كبيرة للديمقراطيين، ولكن قد يحمل مسار الانتخابات مفاجآت أو تحولات دراماتيكية٠
ختاماً، ومهما كانت النتائج فإن عراقة ورقي ورسوخ التقاليد الديمقراطية هي التي ستنتصر مرة أخرى.