14 مليار دولار تعويضاً عن الإخفاق السياسي في سوريا
الاستماع للمقال صوتياً
|
مرح البقاعي
“الشعب السوري لا يزال في خطر، ولم يحرز نظام الأسد ولا الآخرون تقدّماً حقيقياً في معالجة الوضع السياسي كما ينص عليه القرار 2254. ومن المؤلم أن نسمع عن تدهور الوضع الإنساني على الأرض”.
هكذا استهلت السفيرة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد، خطابها في الأمم المتحدة خلال كلمة ألقتها في جلسة إحاطة عقدها مجلس الأمن حول الأوضاع في سوريا، في تاريخ 14 أيلول/سبتمبر الجاري.
فالشعب السوري يعاني ما يعاني منذ عقد من الزمن نتيجة الحرب التي شنّها النظام في سوريا عليه، مستعيناً بشياطين الأرض الخارجة عن القانون الإنساني المبدأي الذي يحرّم أول ما يحرّم جرائم الحرب.
ومن سوء الطالع والظرف السائد في سوريا، أن وباء الكوليرا عاد ليتفشى بين السكان بعد أن تخلّص العالم أجمعه من شرّه، ليزيد من حجم المعاناة السورية في ظل تراجع كارثي وخطير في قطاعات الصحة والخدمات.
الولايات المتحدة التي وقفت إلى صف الشعب السوري وحقه المشروع في الحرية والعدالة منذ بداية طريق التحرر الذي شقّه لنفسه، مازالت على الدرجة نفسها من الالتزام لمعالجة الأزمات الغذائية والصحية والمعيشية لهذا الشعب المكلوم الذي قتل منه مئات الألوف وهُجّر الملايين.
وفي هذا السياق تحدثت السفيرة غرينفلد في معرض خطابها عن الضغط الذي مارسته واشنطن من أجل تجديد وتوسيع آليات الدعم الإغاثي عبر الحدود في الشمال السوري، ولمدة عام واحد، لمعالجة هذه الأزمة وغيرها من الأزمات التي يعاني منها السوريون. كما أشارت إلى المزيد من الدفع السياسي على مجلس الأمن تمارسه حالياً الولايات المتحدة من أجل التصويت مجدداً، ومن أغلبية الأعضاء، على تمديد فتح المعابر الإغاثية سنة أخرى.
في مؤتمر بروكسل لدعم السوريين الذي التأم في شهر أيار/مايو الفائت، قدّمت الولايات المتحدة ما يزيد على 800 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية للاستجابة للأزمة السورية. لكن غرينفلد عادت وأعلنت خلال جلسة الإحاطة عن حزمة مساعدات جديدة وفورية ستتجاوز قيمتها الإجمالية مبلغ 756 مليون دولاراً، وستستهدف اللاجئين والمهجّرين لتأمين احتياجات يومية أساسية منها المياه النظيفة والغذاء، وإمدادات النظافة، وخدمات الحماية والمساعدة الصحية، بما يخدم مساعي التعافي المبكّر.
لا تزال الولايات المتحدة تحتل الصدارى بين دول أصدقاء الشعب السوري من مانحي المساعدات. وتعتبر خدمة الدعم الإنساني التي تقدمها أميركا عنصراً رئيساً من العناصر المكونة لعقيدتها السياسية التي ينصّ عليها دستورها وإيمانها الشعبي والرسمي التاريخي بحق الشعوب بالحرية والعيش الكريم. وبهذا يبلغ حجم الدعم الإغاثي الأميركي لسوريا منذ العام 2011حتى تاريخ كتابة هذه السطور 14 مليار دولار.
في تزامن مع جلسة مجلس الأمن، أطلقت منصة وايتهاوس إن أرابيك الإعلامية، التي مقرها العاصمة الأميركية واشنطن، استطلاعاً دولياً للرأي تضمن سؤال شريحة واسعة من السوريين والمتابعين حول تقييمهم لدور الولايات المتحدة من دعم قضية الشعب السوري، وطرح الاستطلاع أربعة خيارات عن توصيف هذا الدور: 1- داعم للمعارضة والانتقال السياسي الكامل وفق القرار 2254، 2- داعم لمناطق النفوذ والمصالح الأميركية فقط في شرق الفرات والتنف، 3- مهمّة تقتصر على إنهاء المنظمات الإرهابية، 4- لا تمانع واشنطن في بقاء بشار الأسد مع تغيير حكومي يضم المعارضة. واللافت في الأمر أن أغلبية الأصوات ذهبت إلى الخيار رقم 2 الذي يعتبر أن الولايات المتحدة تركّز فقط في مداخلتها بسوريا على دعم المناطق التي تسيطر عليها وتتمتع بنفوذ عسكري فيها من خلال القواعد التي بنتها فيها وكذا التحالفات التي وطّدتها مع الشرائح الشعبية في شرق الفرات والجنوب السوري في منطقة التنف.
بالطبع، استطلاعات الرأي لا تشكل رأياً قاطعاً، لكنها تعكس إجماعاً جماهيرياً حول تصوّر معين وانطباعاً تشكّل لدى الجمهور حول قضية بعينها. وبالتالي، وفقاً لما أشارت إليه أرقام الاستطلاع، فإن الثقة الكاملة بالدعم السياسي الأميركي في سوريا هي غير متوفرة حتى الآن.
استدركت السفيرة غرينفيلد هذا الأمر في خطابها، وتحدّثت عن الدعم السياسي للشعب السوري قائلة: “بينما نحشد المزيد من المساعدة الدولية، فإننا ندرك بأن الحلّ السياسي الدائم لهذا الصراع هو الحلّ الأسلم الذي سيسمح للشعب السوري بإعادة البناء والتعافي. السلام العادل والدائم هو الحلّ الوحيد، وقد بيّن هذا المجلس بوضوح الطريق للوصول إلى مثل هذا السلام من خلال تطبيق القرار 2254”.
فهل تدرك الولايات المتحدة، ولو ضمناً، أن الدعم الإنساني والإغاثي الذي قدّمته والدول الصديقة للشعب السوري كان لمجرد التعويض عن تقصير سياسي في دعم قضية هذا الشعب الكليم أو فرض آليات تنفيذية للعملية السياسية، ما كان سيغنيهم لو تمّ طرحها في وقت مبكر عن إنفاق مئات الملايين من الدولارات على رعاية اللاجئين والمهجّرين والمعنّفين على يد النظام السوري أو المنظمات الإرهابية والمتطرفة التي لا تختلف كثيراً في تنكيلها بالمدنيين عن النظام وأعوانه من الميليشيات والمرتزقة والجيوش الأجنبية ممن عاثوا فساداً وقتلاً وتدميراً بالإنسان السوري – الضحية الأولى لهذه الحرب الشعواء، وتأتي إثره الضحية التالية – الأرض!
أعتقد أن الضمير العالمي سيعاني – وباستمرار – من انقطاع الاكسجين عن رئته السياسية بما يوازي حالة العزلة التي تعيشها القضية السورية ولو جاءت فواتحَ الخبر الإعلامي العاجل أو غرّة الحراك الدبلوماسي في المحافل