هارباً إلى الأمام!
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتبت مرح البقاعي
يبدو أن قمة طهران الأخيرة بدأت بالسير نحو تنفيذ الاتفاقات الثنائية التي عُقدت بين الأطراف المؤتمرة، وفي مقدمتها الطرفين الروسي والإيراني.
فالرئيسان، بوتين ورئيسي، وجدا في هذه المناسبة طريقاً مثالياً للانفلات من بعض من عقوبات مفروضة دولياً على كليهما، وبؤرة للنفاذ منها وعقد بعض الصفقات البينية التي بإمكانها أن تسعف أو تساعد على الخروج من الضيق السياسي والاقتصادي تحت وطأة الحصار الذي فرضته تلك العقوبات على الحكومتين الروسية والإيرانية، وأخطرها وأكثرها قسوة العقوبات الأميركية.
وقد يكون الوضع الذي يعاني منه الرئيس بوتين هو الأفدح مقارنة مع حال نظيره الإيراني، وذلك نظراً لظروف الحرب العمياء التي شنّها على دولة جارة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة .
فبوتين وجد نفسه أمام جيش يقاتل بشراسة زوداً عن أراضيه وحرية شعبه، ورئيساً لأوكرانيا يقف على وجه النقيض من الرئيس السوري الذي كان عوناً للقوات الروسية على شعبه، بل وقدّم لبوتين الأرض السورية بمواقعها الاستراتيجية وسواحلها على طبق من فضة دون أن يرفّ له جفن أو أن تتأثر له كرامة باستعداء الأجنبي على أبناء بلده، فقط ليستمرّ على كرسي حكمه المنخور.
ففلادومير زيلينسكي، الرئيس الأوكراني العتيد، هو الوجه الآخر الأبيض للوجه الأسود لبشار الأسد ولجبهته الملطّخة بدماء الأبرياء. زيلينسكي قرر أن يدافع عن أرضه مهما كلف الثمن ضد الاجتياح الروسي المدمّر، وأن يحمي دولته ويحفظ قوامها السياسي والاجتماعي والثقافي في وجه هجمة بربرية يستخدم فيها بوتين كل المحرمات والموبقات القتالية بما فيه مرتزقة فاغنر.
زيلينسكي الذي يدعمه العالم الحر، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، بأحدث الأسلحة الدفاعية التي تساعده بقوة على ردّ العدوان الروسي، والذي أثبت بشجاعته، وقدرات جيشه من خلفه، قدرة عالية على رد العدوان بل ودحره في غير موقع، كان مفاجأة غير سارة لموسكو ولقوات بوتين التي هي واحدة من أقوى جيوش العالم.
وأمام الدعم العسكري والسياسي والإنساني الذي تلقته كييف، وجد بوتين جيشه بحاجة إلى دعم عسكري موازٍ قد يساعده في ابتكار أساليب جديدة لحملته الشعواء التي لم تستطع حتى اليوم تحقيق أي هدف من أهدافها على الأرض الأوكرانية المنيعة.
فمؤخراً، أعلن مسؤول عسكري في الجيش الأوكراني أن روسيا تقوم بنشر طائرات إيرانية بدون طيار (درونز) في بعض من ساحات معاركها، وأن هذه الطائرات لم تظهر من قبل ضمن الترسانة الروسية الضخمة التي زج بها بوتين في حربه.
أكد هذا النبأ مستشار مكتب الرئيس الأوكراني، أوليكسي أريستوفيتش، الذي قال في تصريح إعلامي “إن إيران قد زودت روسيا بـ 46 طائرة بدون طيار”، علماً أنه من غير المؤكد ما إذا كان هذا هو العدد الإجمالي للطائرات بدون طيار التي وافقت إيران على توريده، وقد يكون هناك المزيد في طريقها.
بعض الطائرات بدون طيار التي تمّ تسليمها لموسكو هي من الجيل القديم من طراز “شاهد 129” الإيرانية. إلا أنه، ومع اقتراب الحرب من شهرها السادس دون أن يتمكّن جيش روسيا الجرار من إخضاع أي موقع استراتيجي أو مدينة كبرى في أوكرانيا، قد يكون لهذه الطائرات القدرة على تحقيق نوع من التقدّم تحتاجه موسكو شعبياً وسياسياً أشد الحاجة في ظل انقسام في الشارع الروسي حول شرعية هذه الحرب، بل وانتشار ظاهرة الرفض العام لها.
هذا وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، قد صرّح في وقت مبكر من حرب روسيا على أوكرانيا بامتلاك واشنطن لمعلومات استخباراتية تشير إلى احتمال بيع طهران لموسكو طائرات بدون طيار. وأشار سوليفان أيضا إلى أن إيران تخطط لتدريب القوات الروسية على استخدام هذه الطائرات بدون طيار.
فصل المقال أن سلوك “الهروب إلى الأمام” الذي تمارسه كل من موسكو وطهران، كلما تطلب الأمر تمرير صفقة محظورة أو الاستقواء بمقاربات سياسية لا يكتب لها في هذه الظروف الدولية سوى الفشل، إنما هو سلوك المستعين على الرمضاء بالنار، وحالة من النشاز السياسي أو المسكنات الموضوعية المؤقتة التي قد تؤخّر ظهور العرض لكنها لا تشفي من المرض أبداً.