العراق.. أين تقف القوى المستقلة من صراع التيار الصدري والإطار التنسيقي؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
ريهام الحكيم – مكتب العراق
شهدت الساحة العراقية ثلاث تظاهرات في وقت واحد، يوم الجمعة الماضي، واحدة لأنصار زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، وأخرى لأنصار”الإطار التنسيقي” المدعوم من إيران، وثالثة لما يسمى بـ”القوى المدنية”، أو تلك المرتبطة باحتجاجات تشرين 2019.
ثلاث رؤى متضاربة نسبيا لشكل النظام وآلية حكم العراق ومستقبله كدولة، تنتشر على شكل تجمعات وتيارات في الشوارع، وتفصل بينها كيلومترات قليلة، مشكلين ما يوصف بـ”حرب تظاهرات”، يحاول كل طرف منهم إثبات أنّ الشارع العراقي يقف في صفّه.
المواجهة بين التياروالإطار تعد تنافسا تقليديا بين فريقين سياسيين على النفوذ والهيمنة على الدولة، ترسم في شكل من ينجح في تشكيل الحكومة المقبلة وباتت الاعتصامات و الاعتصامات المضادة للكتلتين، أداة للسيطرة على الشارع بهدف الاستثمار السياسي، وهو ما يفسره المراقبون بتآكل النظام السياسي من الداخل، وأصبح يمضي سريعا نحو الانهيار بسبب صراعاته الكثيرة.
ويطالب “التيار الصدري” الآن بحل البرلمان العراقي وعقد إنتخابات مبكرة. مطالب التيار التي اتخذت الطابع الشعبي، أعادت إلى أذهان العراقيين مشهد احتجاجات أكتوبر/تشرين عام 2019، وهى التظاهرات التي خرجت بصورة عفوية وبدون قيادة أو توجيه، رفع فيها الشباب وطلاب الجامعات غير المسيسيين، شعارات تحمل معنى الاصطفاف الوطنى مثل “نريد وطن” و “ولائي للعراق” و “الوعى قائد”و “ثورة يقودها شهيد”، حيث استمرت الاحتجاجات لمدة ستة أشهر وسميت فيما بعد بـ “احتجاجات تشرين”.
ومع فارق التعامل بين احتجاجات مناصري (الإطار والتيار) والتي وقفت الجهات الامنية موقف محايد، وهو بعكس ما حدث عام 2019، عندما شنت القوات الأمنية الحكومية حملة مروعة وصادمة ضد المحتجيين السلميين، حيث استخدامت القوات الأمنية والميلشيات التابعة لجهات سياسية، كل ألوان القمع والتنكيل بالمتظاهرين، ما أسفر عن سقوط أكثر من 800 قتيل.
نجحت الإنتفاضة عام 2019، في إسقاط الحكومة وحل البرلمان، وتم اقرار قانون جديد للإنتخابات، تضمن اعتبار الأقضية (المدن) كدوائر انتخابية بعدما كان القانون السابق يعتمد كل محافظة كدائرة انتخابية.
ندد “الإطار التنسيقي” بالقانون واعتبره السبب الرئيسي لضياع أصوات جمهوره ونجاح الصدريين في حصد عدد أكبر من المقاعد في الإنتخابات البرلمانية التي تمت في تشرين 2021‘ أى بعد عامين من الاحتجاجات الشعبية.
وبينما كان نصيب الحركات النائشئة والمستقلين المنضوية تحت لواء احتجاجات “تشرين” قليلاً، بالمقارنة بقوة تمثيل الاحزاب التقليدية التي سعى حراك “تشرين” لانهاء احتكارها للسلطة وسيطرتها على مؤسسات الدولة.
الإنتصار النسبي الذي حققه بعض المستقليين وحركة “امتداد” و”الجيل الجديد” في الوصول إلى البرلمان ولو بنسب ليست بالمؤثرة في الوزن النسبي للفاعليين على الساحة، يعد نجاح في إختراق المنظومة الاجتماعية المُمانعة ويخلخل جزء من الشرعية التي كانت تغطي عددًا من الفصائل السياسية الحاكمة في الدورة السابقة.
ومع الحذر الشديد من التفاؤل المفرط، أن دلائل الاختراق لهذه المنظومة السياسية العصية باتت وشيكة إلى حد ما رغم طول الصراع وجسامة التحديات.
وبالتزامن مع الصدام الشيعي – الشيعي الحالي بين القوتيين (الإطار والتيار)، والمطالب بحل البرلمان وعقد انتخابات مبكرة، يعود الحديث عن فرص قوى “تشرين” الناشئة من الإنتخابات القادمة.
وحيث تمخض عن انتفاضة تشرين عام 2019، عدد من الكيانات والأحزاب الناشئة التي ضمنت شباب التظاهرات وادخلتهم العمل السياسي ومحاولة صنع بديل سياسي يخرج من رحم التظاهرات. انقسمت تلك الاحزاب والكيانات الناشئة في الانتخابات السابقة، فمن رفض المشاركة واعتبر العملية هى انتاج شرعية جديدة للأحزاب التقليدية، وبين من شارك وأخفق في حصد أى مقعد، ومن شارك ونجح في حصد عدد محدود من المقاعد، ليمثل المستقلون والاحزاب الناشئة عدد 45 مقعداً في البرلمان الحالي.
حركة “امتداد” المنبثقة عن حراك “تشرين” التي حصدت 16 مقعداً في البرلمان الحالي، والتي أُسست من رحم التظاهرات ، تعرضت للإنتقاد من قبل جمهور “تشرين”، ما تسبب في إنشقاقات داخلية بسبب مواقف الحزب حيال التعامل مع الأحزاب التقليدية التي رفضتها قوى “تشرين” واتهامتها بقمع المحتجين والتنكيل بيهم.
وبمرور عام على تجربة العمل البرلماني، يقول يعقوب الحساني مدير المكتب التنفيذي لحركة “امتداد”في محافظة المثنى، بأن “امتداد” كحركة ناشئة وخاضت أول تجربة سياسية جديدة بعد احتجاجات “تشرين” وبالرغم من عدم مضي وقت طويل على وجودها بالعملية السياسية الا أنها استفادت كثيرا حيث دخلت العمل السياسي واحتكت به بشكلٍ مباشر، ما أكسب اعضاء الحركة الخبرة والممارسة السياسية والتعاطي مع الملفات والمشهد السياسي بشكل عام .
وأعترف يعقوب بعدد من الأخطاء التي ارتكبتها “امتداد”، وأهمها هو تصدير الحركة للخطاب الثوري المبالغ به وعدم مزجه بالطرح السياسي وتهيئة جمهورالحركة لكل خطوة أو قرار سياسي، وهو ما انعكس سلبا على الحركة عندما اتخذت بعض القرارات السياسة التي كانت بعيده عن توجه جمهور”تشرين” ولذا يحب على الحركة أن تكون أكثر وضوحا وصراحة في الفترة المقبلة.
ويرى الحساني خلال حديثه لـ”وايتهاوس أن ارابيك” بأن حل البرلمان وإجراء إنتخابات مبكرة امر لا يخدم حراك “تشرين”، في الوقت الراهن، كون الإعلام الحزبي عمد على تشويه صورة الحركات الناشئة والمستقلين بسبب عدم توحدهم، وكذلك ذهاب بعض المستقلين إتجاه “الاطار التنسيقي”، والاخطاء التي قام بها بعض النواب المحسوبين على “تشرين”.
ورجح الحساني حصول المستقلين والحركات الناشئة التشرينية على حوالي 40 أو 50 مقعد في الانتخابات القادمة. “ولربما يكون الصراع بين (الإطار والتيار (يصب في مصلحة حراك “تشرين”، فنحن وإن كنا مع الخطوات التي يقوم بها الصدر من المطالبة بهيكلة الحشد وتسليم سلاح الفصائل للدولة وكسر الهيمنة الايرانية على العراق، ولكن هذا لا يكفي لكي نكون بجانب الصدر كون لنا تجارب عديده معه ولم يكن ثابتا على موقفه’”، يقول الحساني.
أما حركة “نازل أخذ حقي” فهى ايضا حركة تشرينية ناشئة، لم تحصد مقاعد في الإنتخابات السابقة، وبسؤال مشرق الفريجي، الأمين العام للحركة عن رؤيته لأزمة الإنسداد السياسي واقتراحات حل البرلمان، قال: إن “كل الطرق تؤدي إلى الإنسداد بين )الإطار والتيار(، وأن الحركة أول من طالب بحل البرلمان بشعار “لا حل الا بالحل” لإنهاء الأزمة وهو ما قد يحقق فرصة لقوى “تشرين” لتمثيل أكبر في حال تم إعادة الانتخابات.
وتحدث الفريجي لـ”وايتهاوس أن اربك” بأن “مستقبل الأحزاب والحركات الجديدة يكمن في تحالف سياسي كبير يستطيع أن يقدم نموذج للمواطن العراقي كبديل سياسي عن الأحزاب التقليدية الموجودة، وبالتالي تم طرح مبادرة (قوى التغيير) والتي تضم أحزاب وطنية عديدة، والمبادرة قد شاركت في تظاهرات الجمعة الماضية، وحملت رسالة أن العراق ليس حكراً على (الإطار والتيار)، وأن هناك قوى سياسية بإمكانها أن تكون هى البديل السياسي الحقيقي”.
وتسعى قوى “تشرين” إلى التغيير بالأطر الديمقراطية والإنتخابات، بعيداً عن العنف واستخدام السلاح، وهو ما يتوجب العمل والإصطفاف بين الأحزاب الناشئة لتقدم بدلاً حقيقياً. يقول الفريجي.
لكن الفريجي، يرى اختلاف في بعض مواقف المستقليين داخل البرلمان ودعوات البعض منهم للحوار أو الجلوس مع القوى التقليدية، وهو موقف يحترم وإن اختلافنا معه، ولكن الفرصة قائمة الآن أمام قوى “تشرين” لطرح بديل سياسي.
واعتبر الفريجي أن القضاء العراقي مازال هو آخر القلاع التي ممكن ان تحمي قوى “تشرين” من القوى السياسية التقليدية، إن كان هناك بعض الأخطاء التي تم تشخيصها، مثل تفسير المحكمة الاتحادية للكتلة الأكبر، ولكن يظل القضاء هو القلعة الحصينة لحماية المجتمع العراقي كافة.