في ميزان الرّبح والخسارة: ربح محمّد بن سلمان
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتب إبراهيم ريحان
جاءَ الرئيس جو بايدن إلى السّعوديّة، وعادَ الرّئيس بايدن منها.
لا خلاف أنّ حالة عدم الاستقرار في العلاقة بين المملكة والولايات المُتّحدة منذ رحيل إدارة دونالد ترامب أدّت إلى “كباش سياسيّ” بين البيت الأبيض وقصر اليمامة في الرّياض.
كان مشهد الـFist bump بين بايدن ووليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان آخر فصول هذا “الكباش”. كثر الكلام عن نتائج الزّيارة والمنازلة السّياسيّة. لم يضع أحد الزّيارة في ميزان الرّبح والخسارة، فكلّ منازلة في السّياسة فيها رابح وخاسر.
الرّابح الأوّل هو وليّ العهد السّعوديّ. تختصر السّطور المُقبلة النّقاط التي استطاع الأمير الشّاب تسجيلها في مرمى الإدارة الدّيمقراطيّة وخصوصاً في مرمى الجناح اليساريّ فيها.
أوّلاً: كان مشهد استقبال الرّئيس الأميركيّ على مدرج مطار الملك عبد العزيز في جدّة مُختلفاً 180 درجة عن مشهد الاستقبال التّاريخي لسلفه دونالد ترامب. يومذاك كان الملك سلمان بن عبد العزيز في مُقدّمة مُستقبلي ترامب والوفد المُرافق. فيما كان في استقبال بايدن أمير منطقة مكّة المُكرّمة الأمير خالد الفيصل آل سعود.
كانت أخبارٌ قد تمّ تداولها قبيل وصول بايدن تُفيد أنّ نائب أمير مكّة الأمير بدر بن سلطان هو الذي سيكون في استقبال بايدن، لكن من يعرف السّعوديّة يُدرك أنّها نادراً ما تكشف عن المراسم البرتوكوليّة لاستقبال الضّيوف.
يدلّ استقبال الأمير خالد الفيصل لبايدن على برودة العلاقة بين بايدن والقيادة في المملكة. يؤكّد هذا أيضاً تقدّم محمّد بن سلمان مستقبلي الضّيوف العرب الذين توافدوا إلى المملكة بعد ساعات قليلة من وصول الرّئيس الأميركيّ إلى المملكة.
كانت “البرودة” واضحة أيضاً في الاستقبال السّريع الذي قامَ به محمّد بن سلمان على مدخل قصر السّلام في جدّة لضيفه الأميركيّ. فيما طغت مظاهر العناق والحرارة على استقباله للقادة العرب الذين توافدوا إلى السّعوديّة.
ثانياً: لم ينل بايدن مطلوبه في إقناع المملكة بضخّ كمّيّات إضافيّة من النّفط الخام. إذ لم يكن الـ13 مليون برميل الذي أعلن وليّ العهد في كلمته في قمّة جدّة عن ضخّها في الأسواق سوى خطّة مُقرّة مُسبقة لرفع الانتاج بحلول العام 2027، أيّ بعد 4 سنوات من اليوم.
ثالثاً: استطاع السّعوديّون انتزاع تعهّد أميركيّ بتزويد المملكة “بكلّ الوسائل والأسلحة اللازمة للدّفاع عن أراضيها”، ويدخل في ذلك الأسلحة والذّخائر الهجوميّة التي كانت إدارة بايدن قد سارعت إلى تجميدها مع دخول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض مطلع 2020.
رابعاً: كان واضحاً موقف الأمير محمّد بن سلمان وأمير قطر الشّيخ تميم بن حمد في رفض مطالب الدّيمقراطيين المُتعلّقة المثليّة الجنسيّة وغيرها ممّا يسمّيها التيّار اليساري “بالقيم الإنسانيّة”. إذ قال بن سلمان في كلمته في قمّة جدّة: “لدينا قيمنا التي نفتخر بها ونعتزّ بها، وندعو العالم إلى احترامها”. فيما كان الشّيخ تميم يؤكّد كلام بن سلمان في كلمته: “مثلما لديكم رأي عام في بلادكم، نحن أيضاً لدينا رأينا العام”.
خامساً: كان لافتاً الاتصال الذي جرى قبل أيّام بين وليّ العهد السّعوديّ والرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين. إذ تشير معلومات White house in Arabic إلى أنّ بوتين يسعى لزيارة المملكة خلال الأشهر المُقبلة.
سادساً: استطاع السّعوديّون أن يستعيدوا السّيادة في جزيرتيْ تيران وصنافير على مدخل خليج العقبة في البحر الأحمر. وهذا فيه مؤشّرٌ على الاعتراف الأميركيّ بالسّيادة السّعوديّة على الجزيرتيْن المُتربعتيْن في أهمّ نقطة استراتيجيّة في المنطقة. هذا عدا عن الالتزامات التي قدّمها بايدن للقيادة السّعوديّة بشأن أمن الملاحة البحريّة في مياه الخليج والبحر الأحمر.
سابعاً: غابَ عن القمّة بين محمّد بن سلمان وبايدن كلّ مشاهد الاتفاقيات الضخمة. وإن حصلَ بايدن على بعض الاتفاقيّات، إلّا أنّ أكثرها كان شبيهاً بكلّ الاتفاقيات التي كان يُبرمها الرّؤساء الأميركيون في زياراتهم إلى السّعوديّة. لكن الأكيد أنّها لا تُشبه إطلاقاً الاتفاقيّات التاريخيّة التي وقّعها دونالد ترامب وإدارته مع المملكة في زيارته التي اختارها أوّل زيارة رئاسيّة له سنة 2017.
ثامناً: كانت الزّيارة ضربةً قاصمة لكلّ وعود بايدن الانتخابيّة، خصوصاً تلك التي قال فيها: “سأجعل السّعوديّة دولة منبوذة”. فكان بايدن هو ثالث رئيس يحطّ رحاله في المملكة بعد تصريحات شبيهة لما قاله من الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون والتّركي رجب طيّب أردوغان.
هي صفحة جديدة بين الرّياض وواشنطن. ولكن هي أيضاً أسلوب تعاطٍ جديد بين البلديْن. فالسّعوديّة اليوم تختلف كليّاً عن تلك التي كان يعرفها بايدن، إّلا أنّ قيمها ثابتة لا تتغيّر.
في الزيارة كانت اليد العُليا للأمير الشّابّ. ومن هُنا، على الرّئيس الأميركيّ أن يترك “فكرته التقليديّة” وأن يستوعبَ سريعاً طريقة التفكير الجديدة التي يُمثّلها محمّد بن سلمان، وُهنا بيت القصيد…