العراق.. هشاشة الدولة مقابل سلاح الميليشيات
الاستماع للمقال صوتياً
|
ريهام الحكيم
ترتبط ظاهرة الميليشيات المسلحة التي تعمل خارج نظام الدولة بمفهوم “الدولة الهشة” وهو مفهوم حديث ظهـر نتيجـة الصراعــات الدوليــة وفقــدان بعض الــدول القدرة على القيام بوظائفهــا إزاء مواطنيهــا، وذلك ضمــن مؤشــرات حددتهــا المنظمات الدولية لاسـيما منظمة صندوق السلام (Fund for Peace) بالإشتراك مع مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) في إصـدار تقاريـر سـنوية حـول “الدولـة الهشـة”، والتـي كانـت تصـدر تحـت عنـوان “الدولـة الفاشـلة” منـذ عـام 2005 وتغيـرت فـي عـام 2014 إلـى “الدولـة الهشـة”، مـن دون تغييـر للمعاييـر والسـياقات المتبعـة فـي مؤشـرات الدولـة الفاشــلة.
ولعل المعطيات التي تكونت بها دولة “العراق بعد عام 2003” والقنوات التي جرى في ظلها تكوين النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة وصعودها وآليات عملها، أدت إلى تحويل الدولة الى شركة أو مؤسسة يكون للنخب الحاكمة فيه حصصاً (أسهماً) تختلف نسبتها بين جماعة وأخرى.
في عام 2014 ، إنهار الجيش العراقي أثناء قتال ما يعرف بـ “تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)” وأصبح جيش الدولة غير قادر على تحمل هجمات “داعش” العدوانية في مدينة الموصل، شمال العراق، وسيطرت قوى التنظيم على ثلث أراضي العراق.
ضعف قوات الأمن النظامية التي تشكلت بعد عام 2003، أتاح فرصة للميليشات المسلحة لمشاركة الجيش المهزوم في القتال ضد التنظيم لتحرير المناطق المحتلة.
وتزامنت هزيمة الجيش العراقي، مع الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي علي السيستاني، والذي دعا فيها للجهاد ضد التنظيم وتعزيز القوات الأمنية المهزومة، لتحرير العراق من الإحتلال الداعشي، وهو ما عُرف بـ “فتوى الجهاد الكفائي” يونيو/حزيران 2014.
فُتح باب التطوع للشباب العراقي، وإستجابت المجموعات المسلحة للفتوى وأعادوا تنظيم أنفسهم تحت مسمى ما عرف بـ”الحشد الشعبي”.
ومنذ عام 2014 وحتى 2017 تصدى مقاتلو “الحشد الشعبي” و الجيش العراقي – بالإضافة لقوات “البشمركة” الكردية وطيران التحالف الدولي – للتنظيم المتشدد، وفي 2017 أعلن حيدر العبادي رئيس الحكومة آنذاك النصر وتحرير جميع الأراضي العراقية المحتلة من قبل التنظيم.
وتقدر أعداد الميليشيات داخل الحشد حوالي 60 ميليشيا (وما يقدر بـ 130 ألف جندي) وتنقسم تلك الفصائل المسلحة الى ميليشات تتبع المرجع الشيعي السيد علي السيستاني (حوزة النجف جنوب العراق) وميليشيات اخري موالية لإيران، واخرى تتبع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر و تسمى ميليشيا “سرايا السلام”.
وكان لهذه الجماعات المسلحة، بمختلف توجهاتها، دورًا إيجابيًا للغاية في هزيمة “داعش” في أماكن ومدن مختلفة في العراق، وهو ما جعلها محل إشادة من قبل المسؤولين العراقيين، وترسخت صورة “الحشد الشعبي” لدى جموع العراقيين بأنه هو “مصنع الشهداء والابطال”، “مدرسة الإنتصارات”، “الحشد البطل” و “الحشد المقدس” في تلك الفترة.
ولكن بعد إنتهاء الحرب، وتحرير المناطق المحتلة، أصبح دور تلك الجماعات المسلحة بمختلف توجهاتها يحتاج لإعادة تقييم. لاسيما تلك التي تدين بالولاء للنظام الإيراني وتتخذ من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، مرجعًا دينيا دون المرجع الديني في العراق. بالنظر إلى مساهمة تلك الجماعات لترويج الطائفية والعنف، وتحدي بعضهم للحكومة العراقية، خاصة في عهد مصطفى الكاظمي.
تلك الفصائل تدين بالولاء علانية لإيران وقوى “الحرس الثوري” الإيراني، وهو الولاء الذي يجعلهم وكلاء لإيران وأقل تواؤمًا مع المصالح الوطنية العراقية.
وتشكل تلك الجماعات التي تأخذ تمثيلًا سياسيًا داخل البرلمان وتشارك في تشكيل الحكومات المتعاقبة وتنسق أمنيًا مع دول الجوار وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لإستقرار الدولة بسبب الدعم الذي تتلقاه من السياسيين والاحزاب وبعض رجال الدين. وهو ما يسمح لهم بالعمل مع الإفلات من العقاب والمحاسبة القانونية بحماية من هذه النخب السياسية.
من يستقصي نشأة الميليشيات “الولائية” أى الموالية للنظام الإيراني، اليوم سيجدها إما نشأت نتيجة إنشقاقات عن جيش المهدي الذي شُكل بعد الـ2003 ، أو فصائل تشكلت بدعم من فعاليات سياسية أو مجتمعية أو دينية.
والأقدم هي تلك الفصائل ضمن قوى المعارضة، إلتى تشكلت في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان الصراع بين النظام البعثي في العراق وإيران شديدًا بشكل خاص. وحيث غادر زعماء المعارضة والسياسيون الشيعة العراق وأمضوا سنوات في المنفى في كلًا من طهران وقم خلال حكم صدام حسين.
ساعدت إيران هؤلاء المعارضين في إنشاء ميليشياتهم وأحزابهم السياسية. وانتهزت الفرصة بعد عام 2003 ووصول تلك الأحزاب المعارضة إلى حكم العراق، للإستفادة من صلاتها العسكرية والسياسية والمالية بتلك الجماعات بهدف خلط الأوراق السياسية.
تمددت الميليشيات الولائية بسبب التداخل بين قوى الدولة واللادولة، وبقرار من الفاعلين السياسيين الشيعة بالإبقاء على قوى عقائدية تكون بمثابة دولة موازية تحمي احتكارهم للسلطة والدولة معاً. وأفعال هذه الميليشيات ليست قراراً ذاتياً، بل نتيجة تفاعل أوامر إيرانية مباشرة مع قرار الفاعلين السياسيين الشيعة المحليين.