العراق بحاجة إلى حكومة مستقلة لاستيعاب مقتدى الصدر
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتب عمر الشمري
يوم الاثنين الموافق الثالث عشر من حزيران، كانت هناك مباراة في ملعب الشعب بالعاصمة بغداد، بين فريقي الجوية والزوراء، لكن ما لفت في الأمر، هو عودة هتافات (إيران برّة – برّة)، وهو شعار معروف بأنه لأتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
على رغم أن عدد المشاركين في تلك الفعالية قليل نسبياً، لكن هذا المشهد يبدو أنه سيتكرر في العراق، كثيراً خلال الأيام المقبلة، وربما يتضخم، بعد انسحاب مقتدى الصدر من العملية السياسية، واستقالة كتلته الكبيرة (73 نائبا).
بعد تلك الاستقالة، سيطر القلق والوجوم على أعضاء قوى “الإطار التنسيقي” مثل هادي العامري، وحيدر العبادي، وعمار الحكيم. يدرك هؤلاء تعقيد المضي في مسار تشكيل الحكومة، وضمان بقائها دون مقتدى الصدر.
وهذا الاعتقاد صائب بالضرورة، لجهة امتلاك الصدر، قاعدة شعبية ورثها عن أبيه رجل الدين محمد محمد صادق الصدر، مع سهولة قيادة تلك الجماهير، وإمكانية إحداث أي نوع من الخلل في العملية السياسية، مثل اقتحام البرلمان، أو الإضراب العام، أو التظاهرات الشعبية.
هذه الخيارات كلها مارسها الصدر، خلال السنوات الماضية، تبعاً للوضع السياسي في كل مرحلة، ولتموضعه، وخياراته وفيما إذا كان ناقماً على تلك الحكومة أو مؤيداً للأخرى.
من هنا يتوقع قادة “الإطار التنسيقي” أن الأمر ربما ينطوي على “فخ”. ما عزز هذا الاحتمال حديث الصدر، يوم الأربعاء أمام نوابه المستقيلين، خلال الجلسة الوداعية، حيث أكد لهم، أنه لو شارك مستقبلاً في الانتخابات، سيكونوا هم كتلته، كما طلب منهم الاستعداد والتواصل مع الجماهير، دون معرفة الاستعداد لأي شيء.
لذلك فإن الاتجاه القلق داخل “الإطار التنسقي” سعى خلال الأيام الماضية إلى محاولة إقناع الصدر بالعدول عن “قرار الصدمة” لكنه لم يُفلح، وهنا يتعين على قوى الإطار استيعاب الصدمة، والتعامل معها بروح رياضية.
وتسعى قوى الإطار حالياً إلى تشكيل حكومة بقيادتها، أو تصدر مشهد تشكيل الحكومة، وتحمل المسؤولية. هذا المسار (تحمل المسؤولية) قد يكون جيداً في بعض الأحيان، لكن أيضاً يمكن أن يجلب الكوارث على البلاد، ويتسبب بضرر بالغ قد يفضي إلى انهيار العملية السياسية.
ما يهم الآن هو عدم التعامل مع الأمر بفرح تام، وكأن الساحة أخليت، بل يجب التعاطي مع الواقع بتوجس وقلق، وهذا بدا واضحاً على جزء كبير من قيادة “الإطار التنسيقي” لكن ايضاً هناك جزء آخر، بدا منتشياً لانسحاب الصدر، دون معرفة العواقب المترتبة على ذلك.
خطة حكيمة
إذا كان لدى قوى “الإطار التنسيقي” استشراف للمستقبل، فإن عليها التنحي عن مشهد تشكيل الحكومة، أو عدم التأثير به بشكل مباشر، والانزواء نسبياً نحو مظلة أوسع، تكون مقبولة لدى المجتمع الدولي والعراقي المحلي.
قد تكون الخيارات امام الكتل الشيعية قليلة فيما يتعلق بذلك، لكن قبل أشهر وضمن مساجلاتها مع الصدر، طرحت قوى “الإطار التنسيقي” مبادرة بفكرة جيدة، وهي أن يشكل المستقلون الحكومة، بمساعدتهم ومساعدة الصدر كذلك. على رغم أن المفاعيل السياسية داخل النواب المستقلين وعددهم (نحو 40 نائباً)، ربما يجدوا صعوبة بالغة في تصدر المشهد، لكن يمكن مساندتهم سياسياً بشكل أكبر.
في المبادرة التي طرحها “الإطار التنسيقي” الشهر الماضي، قال فيها: “إيمانا منها بضرورة سير العملية الديمقراطية وتفاديا للانسداد السياسي، تتقدم قوى الاطار بمقترح الى النواب المستقلين بان يقدموا مرشحاً تتوفر فيه الكفاءة والنزاهة والمقبولية والحيادية وجميع المؤهلات المطلوبة، لادارة البلاد في هذه المرحلة الحساسة من عمر العراق على ان يدعم من قبل جميع الكتل الممثلة للمكون الاكبر والمشكلة للكتلة الأكثر عدداً، وفقاً لتفسير المحكمة الاتحادية للمادة 76 من الدستور”.
على رغم أن تلك الدعوة جاءت نكاية بالصدر، ونوعاً من التنابز السياسي، فإن الوقت الآن حان لنفخ الروح فيها، وهيكلتها، وتأثيثها، وتقديمها من جديد. في تلك الحالة سيتعين على المجتمع الدولي تقديم العون للعراق، باعتباره بقيادة مستقلة، وحكومة تكنوقراط، تسعى إلى تقديم الخدمات لشعبيها.
ما يعزز الحاجة إلى تلك المبادرة، هو الوضع الإقليمي والدولي، والعداء المستحكم بين إيران والولايات المتحدة، وكذلك بعض الدول المحيطة بالعراق. يعني ذلك أن مجيء حكومة محسوبة على إيران، قد تهدم الغزل الذي بناه الكاظمي في تعزيز علاقات العراق الخارجية، والانفتاح الكبير على دول الجوار، فضلاً عن أن المزاج الشعبي العام المحلي، بدا يرفض الحكومات المحسوبة على أي طرف.
لذلك فإن قوى “الإطار التنسيقي” أمام فرصة كبيرة، لتذويب حماس الصدر، والتعامل بدهاء، يكبح جماح الجماهير الصدرية، عبر دعم حكومة مستقلة، بمشاركة طفيفة من المكونات الأخرى، بما يضمن التمثيل المعتدل لها، لكن برئيس وزراء معروف بنزاهته وحكمته، وبراعته، سواءً كان نائباً مستقلاً أو المجتمع السياسي.
قد يكون هذا المسار، معقداً لكنه الأسلم للعراق على مدار السنوات الماضية. تشير التجارب إلى أن الصدر وجماهيره ينزعجون من الحكومات التي قادها حزب الدعوة، على رغم مساهمتهم فيها. تقول التجارب أيضاً أن الصدر يتفاعل بشكل جيد مع المجتمع العراقي المستقل، البعيد عن التحزب. وقد أطلق هو الآخر مبادرة كبيرة لتقديم رئيس وزراء مستقل بدعم من النواب المستقلين. وفي حال أعاد الإطار ذلك فإنه يكون قد لبّى رغبة الصدر، ورغبته أيضاً.
خلال السنتين الماضيتين، كان الصدر ينظر للحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، بعين الدعم، وضرورة تقويتها، وهذا يعود إلى أن الكاظمي مستقل، وبعيد عن الطائفية السياسية، ما منحه دعماً أوسع سواءً من المجتمع المحلي والطيف السياسي، وحتى الدولي، الذي قطع فيه شوطاً وازناً.
سيناريو مشابه لحكومة الكاظمي، قد يكون هو الأصوب بالنسبة للعراق، لامتصاص غضب الصدر، وامتصاص غضب الجماهير المتأهبة. فوصول حكومة مستقلة، سيمنحها الجمهور فرصة كافية لالتقاط أنفاسها، باعتبارها وصلت للتو، وباعتبارها كذلك أنها من خارج الطبقة السياسية، ما يستلزم منحها وقتاً لتحقيق برنامجها، كما أن الشباب العراقي بدأ يترنم بكلمة المستقلين باعتبارهم على الحياد في ظل الاستقطاب الواسع.