أبرز العناوينرسالة المحرّر

العلاقات الأميركية – السعودية لا يمكن أن تمرّ من خرم إبرة

مرح البقاعي

الاستماع للمقال صوتياً

 

رسالة المحرّر

لماذا أجّل ‏البيت الأبيض زيارة الرئيس بايدن للشرق الأوسط إلى الشهر القادم، ومن الذي يضغط من أجل أن يمتنع الرئيس عن مقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واتخاذه من المملكة العربية السعودية المحطة الأولى في زيارته لللأهمية؟ وإلى أي حدّ تمارس أصابع الدولة العميقة في الولايات المتحدة سلطتها على قرار المكتب البيضاوي؟

قد لا يكون في دلالات تأجيل جولة الرئيس الأميركي الشرق أوسطية من الشهر الجاري إلى يوليو القادم، تلك الأهمية مقارنة بالضغوط التي تمارس عليه من أجل أن يشطب من برنامج زيارة لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فنحن نراقب تصريحات بايدن المتناقضة حول لقاء الأمير، وآخرها كان الأسبوع الفائت في مؤتمر صحافي حين قال رداً على سؤال أحد الصحافيين حول الأخبار المتداولة عن زيارة ⁧‫السعودية فأجاب الرئيس: “لست متأكداً مما إذا كنت سأذهب. ليس لدي خطط مباشرة في الوقت الحالي”. وأضاف، “لكني أستطيع أن أخبرك بأني منخرط في العمل على تحقيق المزيد من الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط”.

من نافلة القول أن ‏اليسار المتشدد في واشنطن الذي يشكّل حتى الآن الأغلبية في مجلسي الشيوخ والكونغرس، يريد أن يمنع هذا اللقاء بأي ثمن. فها هو عضو الكونغرس عن ولاية كاليفولانيا ورئيس لجنة المخابرات في المجلس، آدم شيف، يقول ضمن حوار معه في برنامح Face the Nation الشهير:” أنه لا يرى سبباً للقاء ولي العهد السعودي ما لم تجري السعودية تغييراً جذرياً في تناولها لملف حقوق الإنسان، ومحاسبة جميع المسؤولين عن مقتل صحافي مقيم على الأراضي الأميركية ويكتب في صجيفة واشنطن بوست بالطريقة الفظيعة التي قتل بها “. وأقر شيف “بسيطرة السعودية على أسعار النفط”، مشيراً إلى أن هذا يشكل “سبباً قوياً للولايات المتحدة حتى ’نفطم‘ أنفسنا عن النفط الأجنبي”.

متشددو اليسار الأميركي الذين ينتمون إلى دولة باراك أوباما العميقة، يدفعون في الوقت عينه بقوة في اتجاه توقيع الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي يحيل هذه الدولة المارقة والأسوأ في العالم في سجل حقوق الإنسان إلى الدولة الأقوى في المنطقة سواء على الصعيد السياسي، أو في الميدان التسلّحي العسكري بعد أن اقتربت من امتلاك صناعة قنبلتها النووية بكافة المعايير اللازمة لإنتاجها، وضمنت دبلوماسياً عودتها إلى الحظيرة الدولية بعد رفع كافة العقوبات عتها في حال توقيع الاتفاق، ما سيجعلها صاحبة اليد الطولى في الشرق الأوسط.

‏إلا أنه وفي الوقت عينه حيث تجاوز سعر غالون الوقود في الولايات المتحدة الخمسة دولاراات كما لم يحدث منذ عقود من الزمن، وبخاصة قبيل فترة الانتخابات الأميركية النصفية القادمة، فواشنطن ستكون في حاجة إسعافية من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات خاصة، ومن أوبك بلاس بشكل عام، إلى رفع معدلات إنتاج النفط بما يساعد الطبقة الحاكمة على استعادة ثقة الناخب الأميركي في انتخابات التجديد النصفي الذي يقف على الأبواب، والتي من المرجّح بقوة أن يخسرها الديمقراطيون في معركتهم الحامية مع منافسيهم من الجمهوريين في حال استمر التضخم وارتفاع الأسعار غير المسبوق.

‏وبين الحاجة الماسّة إلى تعاون المملكة العربية السعودية في القطاع النفطي ورفع إنتاجها بما ينقذ تهاوي أسهم حزب بايدن الحاكم في واشنطن، وبين رغبة المتشددين الديمقراطيين بالإبقاء على عزل المملكة وولي عهدها ورفعها من برنامج زيارة الرئيس، بل والتعاطي معها باستعلاء سياسي (Snobbism) أقل ما يمكننا وصفه بأنه تعنّت غير مبرّر وبعيد عن النهج الدبلوماسي الذكي التي وصل الديمقراطيون إلى الحكم يحملون شعاره، تقف تصريحات بايدن متأرجحة بين تأكيد مرة ونفي مرات للقاء بن سلمان.

‏من طرف آخر، ستكون إسرائيل الدولة الأولى التي سيحط فيها الرئيس بايدن خلال جولته الشرق أوسطية الأولى منذ وصل البيت الأبيض رئيساً، وأن إسرائيل قد أنجزت في عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب علاقات طبيعية مع دولة الإمارات من خلال اتفاق ابراهام، بينما ترنو إدارة بايدن إلى إقامة اتفاقيات موازية مع دول عربية كبرى وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

يعطي الرئيس بايدن في جل تصريحاته التي تسبق زيارته للمنطقة الأولوية لملف السلام الذي سيكون عنواناً رئيساً للبحث في إسرائيل من أجل الوقوف على السبل المتاحة لإعادة بناء السلام وتمكين استدامته بين إسرائيل من جهة وجيرانها العرب من جهة أخرى، وهذا لن يحصل دون ضوء أخضر وقبول سعودي لتحقيق شروط المملكة في إحلال سلام دائم بما يضمن حلاً عادلاً لقضية الشعب الفلسطيمني.

‏في البعد الثالث للعلاقات السعودية – الأميركية ‏تحضر الحرب الروسية على أوكرانيا بشكل قوي. فمواقف عدد من الدول الخليجية بشأن الأزمة الأوكرانية اتسمت بالحياد وعدم إبداء الدعم الصريح للولايات المتحدة في موقفها الثابت المساند لكييف سياسياً وعسكرياً، بل قد يلحظ المراقب أن وسائل إعلام معظم الدول الخليجية (عدا قطر) تجد مبررات للغزو الروسي لأوكرانيا من خلال نشراتها الإخبارية أو استضافتها لخبراء وسياسيين قد يعمدون أحياناً إلى اختلاق مبررات غير مقنعة للعمليات العسكرية الروسية، تلك التي لا يمكن أن يُطلق عليها أقل من غزو سافر لدولة جارة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة.

وفي حمأة ضغوط واشنطن لزيادة الإنتاج بهدف خفض الأسعار التي ارتفعت إلى ما فوق مائة دولار للبرميل منذ شهر فبراير الفائت على وقع الحرب في أوكرانيا، وصل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى العاصمة السعودية الرياض وشارك لافروف في قمة وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، المنظمة التي تضم دول الخليج الست وأبرز أعضاء تكتل أوبك بلاس الذي تقوده السعودية وروسيا.

ومن الرياض بعث لافروف رسالته إلى واشنطن بأن أي زيادة في إنتاج النفط سيكون لروسيا حصة منها، وأن عزل موسكو عن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية هو أمر غير متاح ولا يمكن تحقيقه مهما علا الصراخ الأميركي في هذا الاتجاه.

فصل المقال يكمن في أجندة الرئيس الأميركي خلال جولته المرتقبة ومدى استيعاب صانعي القرار في واشنطن أن المصالح الأميركية مع الحلفاء التاريخيين في الشرق الأوسط وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تمرّ من خرم إبرة ضيق، بل عليها أن تتّسع لتستوعب العمق التاريخي والحاجات المتبادلة والمصالح المشتركة للطرفين الرياض من جهة، وواشنطن من أخرى، بعيداً عن الشخصنة أو الاستعلاء، وبلغة التعامل بالمثل التي تعطي لكل طرف حقه المشروع.

مرح البقاعي

مستشارة في السياسات الدولية، صحافية معتمدة في البيت الأبيض، ورئيسة تحرير منصة .’البيت الأبيض بالعربية’ في واشنطن
زر الذهاب إلى الأعلى