الاستماع للمقال صوتياً
|
رسالة المحرّر
إنها حدث لافت ومؤثر زيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمر زيلينسكي، إلى شرق البلاد، وتحديداً مدينة خاركيف، التي انسحب منها الجيش الروسي مؤخراً بعد أن ارتكتب فيها جرائم حرب وصفها زيلينسكي بجرائم إبادة جماعية.
الزيارة هي الأولى للرئيس الأوكراني خارج العاصمة كييف منذ الغزو الروسي لبلاده في أواخر شهر فبراير الفائت.
تحمل الزيارة رسائل تحدّي عدة للرئيس الروسي بوتين الذي يقبع جيشه في الشرق أيضاً بعد أن فشل من السيطرة على ضواحي كييف، ظاناً أن حربه ستكون مجرد نزهة لحملة السلاح من مقاتلين روس وشيشان وميليشيات مأجورة على غرار مسلحي فاغنر، سيعودون منها بعد أيام وقد أسقطوا الحكومة الديمقراطية في كييف وقبضوا على الرئيس المنتخب ديمقراطياً.
فزيلنسكي كان قد تلقى منذ أيام دعماً نوعياً من الدانمارك تمثّل في صواريخ “هاربون” المضادة للسفن، وكذا أرسلت الولايات المتحدة مدافع “هاوتزر” ذاتية الدفع، ما عزّز قدرات الجيش الأوكراني في الدفاع عن سواحل البلاد بما فيها ميناء أوديسا الجنوبي في وجه الحصار البحري الذي كانت قد فرضته روسيا إثر غزوها أوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، ذاك الحصار الذي عطّل صادرات الحبوب التي تشكل شرياناً حيوياً لغذاء العالم، وغدا ينذر بإرهاصات مجاعة عالمية إذا ما تمادت روسيا في حصارها واستمرارها في زرع الألغام على السواحل الأوكرانية.
من جهة أخرى، أراد زيلنسكي من زيارة خاركيف والكشف أمام عدسات الإعلام عن حجم التدمير والقتل العمد الذي أحاقه الجيش الروسي بالمدينة وسكانها من المدنيين العزل، أن يوجّه رسالة إلى حلفائه والدول الصديقة في العالم الحر بأن الدعم الذي يتلقاه دفاعاً عن قيم ومكتسبات الديمقراطيات يُثمر أيضاً، بل ويجعل من الصعب على دولة ذات حكم توليتاري شمولي وقاصر كحكم بوتين، أن تنفّذ طموحها في السيطرة على بلد مستقل وديمقراطي حر عضو في الأمم المتحدة.
إن القيم التي يدافع عنها زيلنسكي ومن ورائه داعميه، هي القيم والمبادئ الإنسانية عينها التي بنى عليها الغرب الحر دساتيره وحقوق مواطنيه المدنية، وهي قيم مشتركة مع إدارة زيلنسكي التي تواجه اليوم أطماع موسكو في التوسع وبسط النفوذ، ولكن، ولحسن الحظ لم تُترك وحدها في مواجهة هذه الكارثة التي ألمت بشعبها.
معظم المؤشرات تُنبئ أن هذه الحرب ستطول، لا لأن الولايات المتحدة تجد في إطالتها مصلحة لها كما يُروّج البعض على الإطلاق، بل لأن بوتين لم يستوعب الدرس القاسي الذي تلقّاه وجيشه في كييف وضواحيها، وأنه لم يتراجع عن غزوه لأراضي الغير والاعتداء على شعب جار من ذوي القربى، دونما رادع ولا نذير.