مقال الرأي

بايدن أدرَك أهميّة السّعوديّة.. وبن سلمان يختار تنويع “تحالفاته السّياسيّة”

إبراهيم ريحان

الاستماع للمقال صوتياً

 

خاص وايتهاوس ان أرابيك

لم تشهد الولايات المُتّحدة هذا الكمّ من التّخبّط بسياستها الخارجيّة منذ نشأتها. علاقات مُتوتّرة مع الحلفاء والشّركاء. دُول الخليج العربيّ، مصر، فرنسا، وحتّى إسرائيل. بعد سنة ونصف من استلام الرّئيس جو بايدن السّلطة، يبدو أنّ عاصمة القرار تتجه نحو تصويب الأخطاء التي أدّت إلى زعزعة الثّقة مع الحلفاء.

أدرَكَ بايدن خطأه الاستراتيجي في ضرب أسس العلاقة مع دول الخليج، وتحديداً السّعوديّة والإمارات. يسعى لإعادة ترميم العلاقة. تلعب الدّولتان الدّور الأبرز في تحديد أسعار النّفط في السّوق العالميّة، وهنا سلّمَ بايدن أن لا استقرار لسوق النّفط، خصوصاً بعد الغزو الرّوسيّ لأوكرانيا، إلّا بتصويب بوصلة العلاقات مع الرّياض وأبو ظبي.

تُواجه الولايات المُتّحدة تضخّماً اقتصاديّاً مُستفحلاً. أساس هذا الاستفحال هو ارتفاع أسعار النّفط العالميّة. أدركَ أنّه لن يجدَ علاجاً لهذا الأمر لا في فنزويلا، في ظلّ النّظام الاشتراكيّ الدّيكتاتوريّ، ولا في إيران عبرَ اتفاقٍ نوويّ يُطبَخُ على عجلٍ سيخرج منه بلا شكّ كوارثَ على الشّرق الأوسط والعالم.

حطّ الموفد تلوَ الآخر في الرّياض، لكن هل إعادة الثّقة ستكون سهلة بالنّسبة إلى السّعوديين؟ لم ينسَ السّعوديّون بعد كلام بايدن في حملته الانتخابيّة عن نيّته “تحويل السّعوديّة إلى دولةً منبوذة”. كذلك استثماره في ما عُرِفَ بقضيّة خاشقجي إعلاميّاً وسياسيّاً. كما أنّ الرّياض لم تُلملم بعد آثار رفع ميليشيات الحوثي عن لوائح الإرهاب، رغم قصفها المُتكرّر للأهداف المدنيّة في السّعوديّة والإمارات.

في الرّياض، المسألة ليسَت فقط قضيّة أسعار نفط. بل هي قضيّة أسلوبٍ وشراكةٍ تعتبر أنّ إدارة بايدن لم تحترمها. إذا تعلّق الأمر بالسّعوديّة أو مصرَ أو الإمارات، فإنّ الإدارة تتعاطى معها بمنطق “المبادئ والقِيَم وحقوق الإنسان”. وإذا تعلّق بإيران، فنجد لغة المصالح تتقدّم على لسان الإدارة مع طيفٍ خجول لشعارات المبادئ وحقوق الإنسان.

من يقرأ التّاريخ جيّداً، يجد أنّ الدّولة التي توعّد بايدن أن يجعلها “منبوذة” كان له الفضل الكبير في انهيار الاتحاد السّوفياتي، من بعد غزه السّوفيات بأفغانستان وصولاً إلى أسعار النّفط التي ضربت أساس السّوفيات وتسبّبت بالانهيار الكبير. يُعتبر كتاب رئيس الاستخبارات السّعوديّة الأمير تُركي الفيصل مرجعاً مُهمّاً لمن يريد معرفة الدّور السّعودي منذ 25 ديسمبر 1979 وصولاً إلى تفكّك الاتحاد السّوفياتي.

لا يُمكن الجزم أنّ رئيس الولايات المُتحدة سيزور المملكة العربيّة السّعوديّة في حزيران/ يونيو المُقبل. فهذا رهن المُحادثات التي بدأها مسؤولون من البلديْن في إطار ترتيب الملفّات والخلافات منذ أسابيع بعيداً عن الإعلام. لكن ما يُمكن الجزم فيه أنّ الإدارة الدّيمقراطيّة باتت تُدرك أهميّة الدّور السّعوديّ وضرورة ترميم العلاقات.

ليس سهلاً أن تُشاهد الولايات المُتحدة أحد حلفائها التّاريخيين يُبرم الاتفاق تلو الآخر مع غريمتها الجديدة، الصّين. اتفاقيّات تجاريّة وسياسيّة ودفاعيّة وأمنيّة ضخمة وقّعتها الرّياض وبكين. هُنا نُدرك أنّ المملكة لن تعودَ خطوات إلى الوراء في هذا الإطار. لكن يُمكنها بكل براغماتيّة أن تُحافظ على علاقات متوازنة وتحالف رُبّما، مع واشنطن وبكين وربّما موسكو في وقتٍ واحد. أثبت وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان أنّه جادٌّ إلى أقصى الحدود في هذا المجال، وقادرٌ عليه.

يقول مُتابعون إنّ بايدن أمام فرصة ليَحجزَ مقعداً في الرّياض إلى جانب غريميْه الصّيني والرّوسي. فالتّحول السّياسي والاقتصاديّ وحتى الاجتماعي في السّعوديّة يمضي قُدماً. كما اختار بن سلمان أن يُنوِّعَ مصادر الاقتصاد بعيداً عن أُحاديّة النّفط، فقد أثبتت تجاربه مع الدّيمقراطيين أنّ عليه أن يُنوِّعَ مصادر تحالفاته السّياسيّة بعيداً عن الأُحاديّة الأميركيّة. بهذه الطّريقة يضمن دورَ بلاده بعيداً عن تقلّبات الإدارات وتعاقبها في البيت الأبيض.

إبراهيم ريحان

صحافي وكاتب سياسي لبناني مهتم بشؤون الشرق الأوسط
زر الذهاب إلى الأعلى