السياسات الخارجية الأميركية

رسائل إيرانيّة للخليج: نُريد المُصالحة؟

ابراهيم ريحان

الاستماع للمقال صوتياً

 

كُلّ شيء في المنطقة يشيرُ إلى ارتفاع أسهم “تبريد الجبهات”، وربّما التسويات، إلّا ما يحصل في فلسطين المُحتلّة من مناورات إسرائيليّة واسعة تُحاكي حرباً إقليميّة، انضمّت قوّات أميركيّة إليها في الجزء الذي يُحاكي توجيه ضربةٍ للمنشآت النّوويّة الإيرانيّة.

تحوّلات كبيرة تعصف بمنطقة الشّرق الأوسط. وقد ظهرت خلال الأيّام الماضية مؤشّرات عديدة ينبغي التوقّف عندها وقراءتها جيّداً.

يقول المصدر إنّ الجانب العراقيّ سيبحث مع وزير الخارجيّة الإيرانيّ مسألة ترتيب لقاءٍ بينه وبين وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في المُستقبل القريب

1- لبنان: تراجَع حزب الله؟

أتت نتائج الانتخابات النّيابيّة معاكسة لكلّ التّوقّعات. خسرَ حزب الله وحلفاؤه الأغلبيّة النّيابيّة. هو الذي لم “يُقاتل” في صناديق الاقتراع للدّفاع عن أيّ من حلفائه، سوى التّيّار الوطنيّ الحرّ. وجعل أولويّته الحفاظ على كلّ المقاعد الشّيعيّة في قبضته، ليحصد 27 نائباً بالتّمام والكمال.

قد يُقرأُ هذا التّخلّي عن الحلفاء، خصوصاً حلفاء بشار الأسد، في إطار تراجع الحزب، ربّما بقرار منه، عن الإمساك بكرة النّار اللبنانيّة، خصوصاً الملفات الاقتصادية والمعيشية. وقد يذهبُ البعض أبعد من ذلك، إلى أنّ الحزبَ تراجع خطواتٍ إلى الوراء في إطار تقديم رسائل إيجابيّة للدّول العربيّة بأنّه لن يأكُلَ من صحنِ غيره، خصوصاً الصحن السّنّي.

تكشف مصادر مُطّلعة على أجواء الحزب لـ”أساس” أنّ أحد المُرشّحين السّنّة على لائحة الحزب في دائرة بيروت الثّانية التقى مسؤول الملفّ الانتخابيّ في الحزب، نائب الأمين العام الشّيخ نعيم قاسم، قبل أيّام قليلة من موعد الانتخابات النّيابيّة. في اللقاء، طلب المُرشّح من الشّيخ قاسم أن يُجيِّرَ له الحزب قرابة 3,000 صوت يضمن بها مقعده النّيابيّ، إلّا أنّ قاسم قالها بوضوح: “نستطيع أن نُجيّر ألفاً أو ألفين أو ستّة آلاف صوتٍ، لكنّنا نُريد أن يكونَ الحاج أمين شرّي الأوّل على بيروت”.

ما خفيَ في جواب الشّيخ نعيم قاسم كانَ أعظمَ من مسألة تصدّر شرّي لبيروت. فمسألة نيل شرّي أحد المقعدين الشّيعيّين في بيروت محسومة ولا خلاف عليها. الأكيد أنّ الحزبَ لا يريد مقعداً سُنّيّاً بيروتيّاً يستفزّ به العرب، ويريد أن يضمنَ مقعد النّائب إدكار طرابلسي لحليفه التّيّار الوطنيّ الحرّ.

2- العراق… لقاءٌ سعوديّ – إيرانيّ؟

من دائرة بيروت الثّانية الانتخابيّة إلى دائرة الحوار، في العاصمة العراقيّة بغداد. كشف مسؤولٌ عراقيّ رفيع المُستوى لـ”أساس” أنّ وزير الخارجيّة فؤاد حسين وجّه دعوةً رسميّة لنظيره الإيرانيّ حسين أمير عبداللهيان، العائد من العاصمة الإماراتيّة أبو ظبي، لزيارة عاصمة العبّاسيّين.

مصادر مُطّلعة على أجواء الحزب لـ”أساس”: أحد المُرشّحين السّنّة على لائحة الحزب في دائرة بيروت الثّانية التقى مسؤول الملفّ الانتخابيّ في الحزب، قبل أيّام قليلة من موعد الانتخابات النّيابيّة

يقول المصدر إنّ الجانب العراقيّ سيبحث مع وزير الخارجيّة الإيرانيّ مسألة ترتيب لقاءٍ بينه وبين وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في المُستقبل القريب. يؤكّد المسؤول العراقيّ أنّ توقيت توجيه الدّعوة والعمل على ترتيب لقاءٍ بين رئيسَيْ الدّبلوماسيّتين السّعوديّة والإيرانيّة بعد الانتخابات النّيابيّة اللبنانيّة ليسَ صدفةً. ويشير المسؤول لـ”أساس” إلى أنّ نتائج التجربة الحواريّة بين الجانبيْن في ما يتعلّق بالملفّ اليمنيّ كانت إيجابيّة وفاقت التّوقّعات العراقيّة، وسيُبنى على الشّيء مُقتضاه.

في العاصمة السّعوديّة -الرياض-، كان مصدرٌ دبلوماسيّ سعوديّ يجيبُ “أساس” عن سؤالٍ حول إمكانيّة لقاء بن فرحان وعبداللهيان، بقوله إنّ “المنطقة تشهدُ حراكاً دبلوماسيّاً خفيّاً نشطاً، ونأمل أن ينعكسَ إيجابيّاً على لبنان… لننتظر ونرَ، لا نُريد استباق الأمور”.

في سياقٍ مُتّصل إلى حدٍّ ما، علمَ “أساس” أنّ اجتماعاً تقنيّاً قد يُعقدُ قريباً بين المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الكويت وإيران لبحثِ مسألة “حقل الدّرّة” المُتنازع عليه في مياه الخليج العربيّ. وأشارت معلومات “أساس” إلى أنّ كُلّاً من السّعوديّين والكويتيّين من جهة والإيرانيين من جهةٍ أخرى يريدون حلّ هذه المسألة سلميّاً وفي أسرع وقتٍ ممكن، ولكلٍّ أسبابه النّفطيّة والغازيّة مع إطالة أمد الحرب في أوكرانيا التي تضغط على سوق الطّاقة العالميّ.

3- رئيسي في الخليج؟

من حاضرة العبّاسيين إلى عاصمة الفرس. هناك تندلع تظاهرات عارمة احتجاجاً على الوضع الاقتصاديّ. وعلى الرّغم من الجوّ الدّاخليّ الضّاغط على الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي، إلّا أنّ مصدراً مُقرّباً من الإيرانيين كشفَ لـ”أساس” أنّ فريق عمل الرّئيس الإيرانيّ يتحضّر لزيارة لدولة خليجيّة، يُرجّح أن تكون سلطنة عُمان، في المستقبل القريب وهذا ما أكدته إيران بإعلانها عن زيارة رئيسي إلى مسقط اليوم الاثنين. يقول المصدر إنّ رئيسي يريد أن يبعث برسائلَ إيجابيّة من هذه الزّيارة، تصل إلى المملكة، مع تقدّم المُحادثات الأمنيّة بينهما القائمة في العراق بشأن اليمن، ومنها تلك التي شهدتها العاصمة العُمانيّة مسقط.

في الإطار نفسه، كان وزير الخارجيّة الإيرانيّ حسين أمير عبداللهيان يحطّ رحاله في العاصمة الإماراتيّة أبو ظبي، حيث التقى رئيس الدّولة الشّيخ محمّد بن زايد آل نهيان في زيارة تعزيةٍ بالرّئيس الرّاحل الشّيخ خليفة بن زايد. اللافت أنّ عبداللهيان غرّدَ على تويتر بعد لقائه الشّيخ محمّد بن زايد: “فتح صفحة جديدة في علاقات الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ودولة الإمارات العربيّة المُتّحدة. نشدّ على أيدي جيراننا بقوّة. متانة الرّوابط بالجيران تخيّب أمل أعداء المنطقة”.

على الرّغم من العلاقات المُتوتّرة بين طهران وأبو ظبي، فإنّ العلاقة التّجاريّة بين البلدين لم تتأثّر كثيراً بالتّوتّر السّياسي. ذلك لأنّ الإيرانيين، بحسب مصدر مقرّب منهم، يقسّمون تعاطيهم مع دولة الإمارات إلى جزءين: سياسيّ مُتوتّر مع أبو ظبيّ، واقتصاديّ متين مع إمارة دبي.

تعطي إيران إشارات “اقتصاديّة” لتحسين علاقاتها الإقليميّة، وخصوصاً مع الدّول العربيّة. تُغازل السّعوديّة في هدنة اليمن وغاز حقل الدّرّة وترجع خطوات إلى الوراء في لبنان. أمّا مع الإمارات فكان عبداللهيان يطير على رأس وفد رفيع من الخارجيّة ليدخل ديوان الشّيخ محمّد بن زايد مُعزّيّاً بكلامٍ دبلوماسيّ عن صفحة جديدة، سبقته برقيّة عزاءٍ من إبراهيم رئيسي تحمل المضمون نفسه.

فهل تشهد الأسابيع المُقبلة “تبريد الجبهات الخليجيّة – الإيرانيّة”؟ أم يُشعلها زيت النّوويّ الإيرانيّ ونار الحرس الثّوريّ؟

الإجابة عند المرشد علي خامنئي وذراعه الجديدة إسماعيل قاآني…

المصدر: أساس ميديا

إبراهيم ريحان

صحافي وكاتب سياسي لبناني مهتم بشؤون الشرق الأوسط
زر الذهاب إلى الأعلى