الاستماع للمقال صوتياً
|
مرح البقاعي
“يجب على النساء في أفغانستان تغطية وجوههن في الأماكن العامة بارتدائهن البرقع العادي. وفي حال لم تتّبع المرأة القواعد، فسيتم زيارة ’ولي أمرها’ وإبلاغه وسجنه وإصدار حكم عليه في النهاية. كما سيتم طرد النساء اللائي يعملن في المكاتب الحكومية ولا يتبعن المرسوم الجديد”.
هذه مقتطفات صادمة من بيان صادر عن المديرية العامة للشؤون الإدارية في كابول يفسّر مرسوم حركة طالبان الذي صدر حديثاً بخصوص لباس المرأة والعودة به إلى القرن الفائت.
هذا الإجراء هو آخر ما تفقّت عنه ذهنية طالبان المتشدّدة منذ أن استولت ميليشياتها على الحكم من جديد، وذلك في مخالفة واضخة وتراجع عن وعودهم لشعبهم ولدول العالم باحترام حقوق النساء وحرياتهن في الاختيار.
ففي ديسمبر/ كانون الأول الفائت، حظرت حركة طالبان على النساء القيام برحلات برية طويلة في أفغانستان بمفردهن، وطلبت من أحد الأقارب الذكور مرافقتهن لأية مسافة تتجاوز 45 ميلاً. كما دعت القواعد الجديدة السائقين إلى عدم السماح للنساء غير المحجبات بركوب سياراتهم، وذلك بادعاء “حمايتهن من أي إزعاج”، بحسب محمد صادق حكيم محاجر المتحدث باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما أصدرت حركة طالبان في وقت سابق من هذا العام إرشادات للإعلاميين تحظر جميع الأعمال الدرامية والمسلسلات والعروض الترفيهية التي تصوّر النساء. كما أوجبت على مذيعات الأخبار ارتداء الحجاب على الشاشة، بما مثّل القيود الأولى من نوعها المفروضة على شبكة الإعلام في البلاد. وعلى الرغم من الوعود المبكرة من طالبان بأن المرأة ستحتفظ بحقوقها في التعليم، فقد أغلقت المدارس الثانوية للبنات في شهر مارس في صباح اليوم الذي كان من المقرر افتتاحها فيه.
الحال الراهن في أفغانستان لا يشير إلى أن الحكومة التي شكلتها طالبان من الرجال حصراً، بعازمة على تحقيق أي من وعود قيادات طالبان المتشددين، وهم الدينامو المحرك لبرامج وأعمال هذه الحكومة التي استثنيت منها النساء. بل كان من باكورة إنجازات طالبان إثر أسابيع فقط من إحكام قبضتها على السلطة في كابول، بأن قامت بإلغاء وزارة شؤون المرأة التي تأسست عام 2001، وأقرّت بدلاً منها وزارة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
الجماعة عادت إلى التضييق على النساء الأفغانيات، بينما يتعرض النشطاء والصحافيون الذين يحاولون تغطية هذه الانتهاكات ونقل صورة الأوضاع داخل أفغانستان إلى الخارج بدقة وشفافية، إلى كافة أنواع الترهيب وسوء المعاملة والاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري.
هكذا يبدو اليوم ’نصف المجتمع’ الأفغاني في حالة تراجع مطرد في سلم الحقوق والحريات التي اكتسبتها المرأة الأفغانية خلال عقدين من العمل الجاد والدؤوب لاستعادة حقوقها كاملة، والتي غدت مرتهنة إثر العودة إلى نظام القيود والمحرّمات من طرف طالبان. هذا بينما يقبع ’كل المجتمع’ تحت خط الفقر والترهيب وانعدام الأمن والاستقرار المعاشي، وذلك في ظل تخوّف المجتمع الدولي من تقديم المزيد من المساعدات، والهاجس السائد لدى الدول المانحة بأن يتم استخدام المعونات لتقوية وتوسيع نفوذ طالبان وليس لرعاية وتلبية حاجات الشعب.