الاستماع للمقال صوتياً
|
يبدو أن سياسة الضغط الأميركي- الأوروبي المشترك، بالإضافة إلى الدور الحاسم الذي لعبه حلف الشمال الأطلسي (ناتو)، قد وضعا حداً لمغامرة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أوكرانيا، تلك التي حشد لها على الحدود المشتركة بين البلدين ما يقارب 150 ألف جندي روسي من وحدات الإنزال والاقتحام الجاهزة لدخول أوكرانيا فور تلقي الأمر من سيد الكرملين.
فقد كان التراجع عن المواقف الحدّية في التهديد والوعيد التي انتهجتها موسكو خلال الأزمة الحالية مع كييف هو سيد الموقف بعد أن بلغت الأزمة ذراها التصعيدية، وبدأت نُذر حرب تلوح في الأفق، حرب لن تكون محدودة البتة، ولن تُعرف نتائجها أو نهاياتها في حال اندلاعها.
وفي محاولة روسية لإيجاد مخرج من التورط في حرب ليست جاهزة لها، قدّمت موسكو مسودات وثائق أمنية فيها مطالب من الناتو تتضمن رغبة موسكو بالحصول على تعهدات برفض عضوية أوكرانيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق الأخرى في الحلف، والتراجع عن انتشاره العسكري في وسط وشرق أوروبا.
في حقيقة الأمر رفضت واشنطن وحلفاؤها تقديم التعهدات التي طالبت بها موسكو، لكنها أبدت استعداداً واضحاً للشروع بمفاوضات جديّة مع الطرف الروسي.
وأعلن مؤخراً مسؤول كبير في البيت الأبيض عن إمكانية إطلاق المفاوضات مع موسكو في الثلث الثاني من شهر كانون الثاني/يناير للعام 2022، أي حال انتهاء أعياد وعطل رأس السنة الميلادية.
سارع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لتأكيد الأنباء المتداولة عن المفاوضات المرتقبة، وصرّح إنه بالإضافة إلى المحادثات مع الولايات المتحدة ستبدأ موسكو محادثات منفصلة مع الناتو بشأن هذه القضية، وكذلك مفاوضات منفصلة تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
المطالب الواردة في المسوّدات التي قدمتها موسكو، والتي ستكون محور المفاوضات القادمة، تأتي على هيئة معاهدة أمنية بين موسكو وحلف شمال الأطلسي، وذلك في خضمّ توترات متصاعدة بشأن الحشود الروسية على الحدود مع أوكرانيا، الأمر الذي أثار مخاوف حقيقية في الغرب من غزو محتمل في سيناريو مشابه لما حدث العام 2015 حين غزت موسكو شبه جزيرة القرم وحوّلت غزوها مع الوقت إلى أمر واقع.
وبينما تنفي روسيا باستمرار وجود خطط بحوزتها لمهاجمة أوكرانيا، تضغط بالمقابل للحصول على ضمانات قانونية تستبعد توسع الناتو ونشر الأسلحة على أرض جارتها اللدود.
قد يكون القبول المبدئي من الأطراف المعنية بأزمة أوكرانيا في الشروع بمفاوضات مباشرة في المستقبل القريب، مؤشراً على انفراجات قادمة بين موسكو وواشنطن في قضايا دولية عديدة معلّقة سيكون لملفيّ سوريا وإيران نصيب الأسد منها، وذلك نظراً لأهميتها وموقعهما الاستراتيجي من قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة، والتي يجب أن توضع للبحث فوق الطاولة، وبشكل جدّي، قبل فوات الأوان.