استراتيجية الرئيس بايدن في سوريا في ٤ مبادئ رئيسة
حوار أجرته مرح البقاعي مع مسؤول رفيع في البيت الأبيض:
الاستماع للمقال صوتياً
|
كان لا بد لي من التوقّف مؤخراً عند محطتين رئيستين للموقف الدولي من القضية السورية، تلك القضية الوطنية العادلة التي غدت بفعل الأضداد السياسية ومداخلات الغرباء في تفاصيلها الميدانية والسياسية أشبه بكرة الصوف المعقّدة التي اشتبكت خيوطها وتداخلت وأصبحت غاية في الاستعصاء على المتعامل معها؛ كرة الصوف تلك التي ندعوها في مصطلحها السياسي العالمي (Gordian Knot) هي الشكل الحالي للمعضلة السورية وقد تهاوت على عتباتها المدمّاة الحلولُ..
الاستعصاء الأممي
محطتي الأولى ستطال ملف سوريا في الأمم المتحدة المكلّف به حالياً الدبلوماسي المخضرم غير بيدرسون المبعوث الأممي الرابع المنوط به حلحلة كرة الصوف السورية التي شكّلت بذاتها عقدة في التاريخ المهني للمبعوثين الثلاثة السابقين لبيدرسون، وقد غادروا منسحبين من مهمتم المستحيلة أومستسلمين لذاك الاستعصاء المذهل.
لقد تناوبوا جميعاً واجتهدوا، كلّ بحسب رؤيته وإمكاناته، على فكفكة طلاسم تلك العقدة دونما جدوى أو نتيجة تُذكر، ابتداء بالمبعوث الأول الراحل كوفي عنان، مروراً بالأخضر الإبراهيمي، ووصولاً إلى ستيفان دي ميستورا صاحب نظرية “السلال الأربع” في تحليله التطبيقي لبنود القرار الأممي رقم 2254، وهو القرار المكتفي بذاته والذي أقرّه مجلس الأمن بأغلبية أعضائه – بمن فيهم روسيا الحليفة للنظام السوري – وغدا القرار المرجعية المعترف بها دولياً لتنفيذ الانتقال السياسي المطلوب في سوريا.
وإثر جولات ست للجنة الدستورية التي ييسرها بيدرسون، ومرور عامين ونيف على تشكيلها لصياغة دستور جديد للبلاد، يبدو أنه دخل مؤخراً في فراغ الفقاعة السياسية الضخمة عينها التي انتهى إليها أسلافه. وليس مشروع “الخطوة خطوة” الذي يروّج له في غير عاصمة عربية وغربية إلا تبديلاً جوهرياً لمسار اللجنة الدستورية وانقلاباً على مهمّته الأساس في التنفيذ مكتمل الأركان للقرار الأممي 2254.
فتنفيذ قرار مجلس الأمن هو المهمة الحصرية المكلّف بها بيدرسون – بما فيها اللجنة الدستورية كأحد ملحقاته – وهو المؤتمن عليها رسمياً على مستوى الأمم المتحدة، وشعبياً على مستوى عموم السوريين. أما طرح سياسة “تبادل المنافع” مع النظام فلن تكون إلا طريقاً لارتهان الانتقال السياسي لمزيد من التجاذبات وليّ الذراع، الأمر الذي سيقلب الطاولة على الجميع بمن فيهم بيدرسون نفسه، وقد ينحرف بالمخرجات الأممية للقضية السورية نحو نهايات صعبة للجميع..
مراجعات معمّقة
المحطة الثانية التي سأحاول رصد تفاصيلها عن قرب فتتوقّف عند إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وما إذا كانت هذه الإدارة قد كوّنت رؤية استراتيجية واضحة المعالم تقوم على أسّ موضوعي ومراجعات جذرية للسياسات الأميركية السابقة في إدارة الملف السوري منذ اندلاع الثورة في العام 2011 حتى الوقت الراهن.
تواصل مكتب “العرب” في واشنطن مع المكتب الإعلامي لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، والذي أفاد بأن إدارة بايدن قد باشرت فعلياً عملية تقييم واسعة ومعمّقة للملف السوري اشتركت فيها مختلف المؤسسات المعنية بهذا الملف بشؤونه السياسية والأمنية والإنسانية كافة.
وأشار إلى أن هدف واشنطن من عملية رصد ما آلت إليه الحال في سوريا هو تقييم الوضع الراهن على الأرض، وتحديد الخيارات التي تملكها إدارة بايدن لتحسين الوضع الميداني والدفع نحو المزيد من الاستقرار وتمكين حالة الأمن، وبالتالي تهيئة الظروف لتحقيق الحل السياسي الأشمل لهذا النزاع الدامي الذي طال على الشعب السوري.
ويشير المصدر الإعلامي لمكتب الأمن القومي الأميركي إلى أن تلك المراجعات خلصت إلى أنه في حين تراجعت أعمال العنف في سوريا إلى أدنى مستوياتها منذ عقد من الزمن من الاقتتال الضاري، فإن الوضع الاقتصادي هو الأسوأ الآن والأكثر توحشاً.
فتقديرات برنامج الغذاء العالمي تشير إلى أن أكثر من 12 مليون سوري يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة تفوق 4.5 مليون في العام الماضي. ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين في حالة فقر مدقع، بأقل من 1.90 دولاراً في اليوم، والكارثة الإنسانية السورية هي اليوم واحدة من بين أكبر الكوارث في العالم بما يقارب مأساة أهل اليمن.
ومما يزيد من حجم معاناة السوريين انتشار وباء كوفيد – 19 في غياب خطط ناجعة للسيطرة عليه، وكذا المعدلات القياسية للجفاف التي أصابت الأراضي الزراعية وقضت على المحاصيل، وانهيار القطاع المالي اللبناني، وبالتالي تفاقم الحاجات الأساسية للناس دون توفّر المصادر لتأمينها.
الخطة الأميركية
في الأشهر التسعة الأخيرة ركزت إدارة بايدن على محاور أساسية للتعامل مع الملف السوري يمكن تحديدها كما يلي:
أولا؛ توسيع دائرة المساعدات الإنسانية لتصل إلى كل أصحاب الاحتياج في أنحاء سوريا. ومن هنا انطلقت المفاوضات مع أعضاء مجلس الأمن الدولي، وفي المرحلة النهائية مع روسيا، بشأن تمديد عمل نقطة واحدة عبر الحدود لتقديم المساعدة إلى شمال غرب سوريا، والتي تم إنجازها من خلال اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2585 بالإجماع.
ثانيا؛ استمرار حملة الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد تنظيمي داعش والقاعدة، إذ ما يزال التنظيمان في سوريا يشكلان تهديداً دائماً لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، ويتفاقم هذا التهديد من خلال وجود ما يزيد على الألف محتجز من مقاتلي داعش في منشآت مؤقتة في شمال شرق سوريا.
ثالثا؛ التشديد على التزام الولايات المتحدة بمساءلة نظام الأسد ضمن المعايير الدولية، والاستمرار في فرض عقوبات مستهدفة تطال مؤسساته وأفراد من حلقته الضيقة.
رابعا؛ تثبيت حالة وقف إطلاق النار وتوسيعها لتشمل الأراضي السورية كافة، والعمل على الحفاظ على وقف إطلاق النار المعمول به في جميع أنحاء البلاد.
فصل المقال يكمن في أن الولايات المتحدة مصرّة على تيسير السبل للتطبيق الكامل للانتقال السياسي في سوريا ضمن بنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
أما ما لن تفعله واشنطن أبداً ولن تفكّر في الإقدام عليه – ودائماً حسب المصدر – فهو إبداؤها لأدنى رغبة أو دعم لجهود ترمي إلى التطبيع أو إعادة تأهيل الدكتاتورالغاشم بشار الأسد؛ وأنها لن تقوم برفع عقوبة واحدة عن نظامه ولن تسمح بإعادة الإعمار قبل أن يتم الإقرار بتقدم لا رجعة فيه نحو تحقيق الانتقال السياسي غير المنقوص في سوريا.
*رابط المقال في نسخته الورقية:
https://tinyurl.com/53x38c3e