آخر التحديثات

اتفاقات ترامب غير المعلنة: هل فُتح باب التفاهم مع الحوثيين؟

الاستماع للمقال صوتياً

نيويورك – أميركا والعالم

بقلم رولا القط

منذ اللحظة التي دخل فيها دونالد ترامب البيت الأبيض، أطلق مشروعًا سياسيًا غير تقليدي، أعاد فيه صياغة مفاهيم الحلفاء والأعداء في الشرق الأوسط. فالرئيس الأميركي خلال فترته الاولى في البيت الأبيض  لم يتعامل مع المنطقة من زاوية الالتزامات التاريخية أو القيم الليبرالية، بل من خلال نظرة تجارية بحتة، تضع “أميركا أولًا” في قلب كل معادلة. وفي خضم هذا التوجه، برزت مؤشرات توحي بأن جماعة الحوثي لم تكن مستثناة من مقاربة ترامب البراغماتية، حتى وإن لم يظهر ذلك علنًا.

مقاربة باردة تجاه اليمن رغم الخطاب المعلن بدعم السعودية، التزمت إدارة ترامب بموقف بارد تجاه الحرب في اليمن. الدعم الأميركي اقتصر على الجوانب اللوجستية والمبيعات العسكرية، دون أن تتحرك الإدارة نحو ممارسة ضغط حقيقي على الحوثيين، أو الانخراط في استراتيجية جدية لإنهاء نفوذهم. بل إن السنوات الأخيرة من حكم ترامب شهدت ما يشبه الانسحاب التدريجي من هذا الملف، مع تركيز الجهود على قضايا إقليمية أخرى أكثر أولوية في حساباته، مثل التطبيع العربي الإسرائيلي والضغط على إيران.

رسائل خلف الكواليس عام 2019، تسرّبت معلومات عن لقاءات غير مباشرة جرت بين مسؤولين أميركيين وممثلين عن جماعة الحوثي، عبر وساطة سلطنة عُمان. لم تكن هذه اللقاءات مباحثات سلام بقدر ما كانت محاولات “جس نبض” لفهم مدى استقلال الجماعة عن إيران، وإمكانية تجنب أي تهديد أميركي مباشر في البحر الأحمر أو باب المندب. وهذا يكشف عن عقلية ترامب التفاوضية: لا عداوات مسبقة، بل تقييم دقيق للمصالح والمخاطر.

اتفاقات أبراهام وتحييد اليمن مع توقيع اتفاقات أبراهام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، ركزت الإدارة الأميركية على إبراز “الشرق الأوسط الجديد”، الخالي من الصراعات الكبرى. ولهذا، بدا أن التصعيد في اليمن كان من شأنه إرباك تلك الصورة. تجاهل إدارة ترامب للتطورات الميدانية في اليمن، وتغاضيها عن الهجمات الحوثية المتكررة على منشآت خليجية، يمكن فهمه كجزء من استراتيجية أوسع لتجميد الجبهات المشتعلة، كي لا تتقاطع مع أولويات السياسة الخارجية الجديدة.

التصنيف المتأخر: ورقة تفاوض أم قناعة راسخة؟

قبل نهاية ولايته بأيام، صنّف ترامب الحوثيين كـ”منظمة إرهابية”، لكن دون خطوات تكميلية أو تحرك عملي، ما طرح تساؤلات حول جدية القرار. هل كان هذا التصنيف أداة ضغط على إيران؟ أم محاولة لتقييد هامش مناورة إدارة بايدن القادمة؟ في كلتا الحالتين، يمكن قراءة الخطوة كتعبير عن التوظيف السياسي للأزمات، لا عن تبنٍ حقيقي لموقف حازم تجاه الحوثيين.

اللاعب الذي بقي في الميدان الواقع السياسي والعسكري في اليمن أظهر أن الحوثيين استثمروا جيدًا في تلك المرحلة، واستغلوا سياسة الانكفاء الأميركية. فبينما كانت واشنطن تعيد تموضعها، نجحت الجماعة في توسيع نفوذها وتعزيز حضورها كقوة أمر واقع، بل وفرضت نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات مستقبلية.

هذا لم يكن بفعل قوتهم الذاتية فحسب، بل بسبب فراغ سياسي إقليمي ودولي، لعبت فيه واشنطن، عن قصد أو عن تقصير، دور المتفرج الصامت.

خلاصة المشهد لم توقّع إدارة ترامب اتفاقًا مباشرًا مع الحوثيين، لكنها فتحت، بقصد أو دون قصد، نافذة تفاهم غير مباشر معهم. تخلّت عن المواجهة، ولم تدعم الحسم، وسمحت بتمدد الجماعة مقابل ضمان مصالحها الحيوية في أماكن أخرى. هذه السياسة، وإن لم تُعلن، كانت جزءًا من فلسفة ترامب التي تختزل السياسة الخارجية في جملة واحدة: “إذا لم تكن المشكلة مشكلتنا المباشرة، دعوها للآخرين”.

ربما لم يكن الحوثي حليفًا معلنًا، لكنه بالتأكيد لم يكن عدوًا أولوية في أجندة إدارة ترامب. وهذا بحد ذاته، يكشف الكثير عن طبيعة التحولات التي شهدها الشرق الأوسط في سنوات الصفقات

مع ذلك، يبقى وجود الحوثيين مؤقتًا، مرهونًا بغياب التسوية السياسية. وبمجرد التوصل إلى صفقة شاملة توازن القوى والمصالح، من المتوقع أن يتراجع حضورهم تدريجيًا، كغيرهم من الفاعلين الطارئين في فترات الاضطراب

رولا القط

إعلامية وكاتبة لبنانية مقيمة في نيويورك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى