
عودة ترامب إلى الشرق الأوسط
الاستماع للمقال صوتياً
|
مونتريال – أميركا والعالم
المهندس بسام أبوطوق
غادر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يوم الاثنين ١٢ مايو إلى الخليج العربي وتحديدا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وقطر، في أول رحلة خارجية رئيسية له في ولايته الثانية.
الرئيس ترامب العائد الظافر إلى رئاسة أمريكا، من بوابة انتخابات الرئاسة 2024 يتألق بأسلوبه المتفرد في طرح القضايا الخلافية، ووضع الحلول الصادمة، والتنقل ما بين الخنادق والألغام مقبلا مدبرا.
يشهق العالم برمته وهو يلاحق إعلانات وفرضيات وقرارات ترامب، ويتابع قفزاته من إحياء المعارك التجارية الدولية، مع دول الجوار الحدودية شمالا وجنوبا الى الصين وأوروبا، إلى إخماد بؤر التوتر و خطوط النزاع في أوكرانيا إلى غزة ومؤخرا وليس آخرا, مناوشات الهند والباكستان، مقدما اقتراحات وحلولا” تصعد إلى المستوى الأعلى وتهبط إلى المستوى الأسفل، فلا ثبات ولا استدامة بل تغير ونوسان.
في رحلته الثانية إلى الشرق الأوسط، يحمل ترامب في جعبته المثيرة صفقات تجارية تتداخل فيها وتتشابك قضايا أمنية بنزاعات عسكرية، و تحظى مشاريع السلم والسلام في المنطقة بالاهتمام والترقب، ويبقى الظاهر سياسيا والباطن اقتصاديا.
أثار اقتراح ترامب بشأن ريفيرا غزة بعد ترحيل سكانها الفلسطينيين، ضجيجا في الشرق الأوسط وتباينت ردود تصريحات قادة المنطقة، ما بين الرفض والتوجس والتأمل، ثم تم إسدال الستار على هذا الاقتراح بكل بساطة، ويتوقع في زيارة ترامب القريبة هذه أن يخرج من جرابه المزيد من المفاجآت.
تعهد ترامب في برامجه الانتخابية باحلال السلام في المنطقة، وإنهاء أزمة غزة، هذا التعهد يبدو بعيد المنال حاليا، بينما سيحصل على وعد سعودي باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى الأربع سنوات المقبلة، إضافة الى تعهدات إماراتية بإنفاق 1.4 تريليون دولار على مدى عشر سنوات، وهذه هي طريقة ترامب في الجمع بين التناقضات .
تتحول رؤية ترامب لشرق أوسط مزدهر وآمن إلى استثمار ناجح لموارد الخليج المتفوقة ماليا والفائضة عن استيعاب بلدانها في سوق أمريكية تستوعب وتهضم.
استحقاقات إنهاء الحرب في غزة، ووقف النزوع الإيراني لامتلاك السلاح النووي، ومد الاتفاقات الإبراهيمية إلى الساحة السعودية، ستستبدل بنجاحات اقتصادية واستثمارية منتجة،
هناك الكثير من الملفات التي سيتم استعراضها ومقاربتها في لقاءات ترامب مع الزعماء الخليجيين وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان، وعلى رأس هذه الملفات التغيير الحاصل في سوريا، وطرق صيانة وتأمين إعادة الإعمار وبناء الدولة السورية، و بالترابط مع ذلك إعادة تشكيل المجتمعات في سوريا ولبنان والعراق واليمن بعد التراجع الإيراني عن هذه الساحات، وبمعنى آخر ألا يستعاض عن فوضى التسلط الإيراني إلى فوضى من أنواع أخرى.
ولكن هذه الوقائع المعقدة لا تشغل تفكير ترامب، فهو تقليديا بائع صفقات يحول المتشابك والمعقد الى سهل ومبسط، وهذا ما تبين في رحلته الأولى إلى الرياض العاصمة السعودية خلال ولايته الأولى عام 2017، مع فارق الوضع السياسي والعسكري ما بين 2017 و 2025، حيث تراجعت إيران وتقدمت إسرائيل ودخل الحوثيون وحماس بثقل في المعادلات المحلية.
وفي هذا السياق يمكن فهم النزاع تحت الرماد بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
يحاول نتنياهو استباق الزمن وفرض أمر واقع جديد في غزة، يبرر الأثمان الباهظة التي تكبدها جيشه حتى الآن والمجازر التي ارتكبها تجاه شعب غزة الفلسطيني،وهو وصل الى حد التخلي بشكل فعلي عن الرهائن، مقابل إطلاق يده للقضاء الناجز على حماس، واعادة تشكيل غزة كما يشاء ويخطط، وهو لم يعد يماطل جمهور عائلات الرهائن ومؤيديهم، فقد أضحت أهدافه واضحة.
وفي سياق آخر فالحوثيين ما زالوا أحياء وفاعلين، ويوجهون ضربات مؤلمة بصواريخهم التي وصلت إلى جوار مطار بن غوريون، ونتنياهو يريد من ترامب الاستمرار في استنزاف قدرات الحوثيين ، ولكن ترامب أوقف حربه على الحوثيين وأعلن أن أهدافه الحربية تحققت وأنه تم تأمين الملاحة في البحر الأحمر، وهو يريد من نتنياهو أن يهدئ الوضع في غزة خلال فترة زيارته للخليج.
وهكذا تباينت أهداف الزعيمين وتنافرت. وفي المحصلة ترامب ليس رجل استراتيجيات ونظريات بل هو رجل الحلول السهلة والمباشرة.