آخر التحديثاتأبرز العناوينالسياسات الخارجية الأميركية

التحالفات وهندسة التوازنات في الشرق الأوسط

الاستماع للمقال صوتياً

كاليفورنيا – أميركا والعالم

الدكتور عبيد الله برهاني

في لحظة إقليمية بالغة التعقيد، يعود اسم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى واجهة المشهد الشرق أوسطي، مع الحديث عن زيارة مرتقبة إلى الثالوث الخليجي (المملكة العربية السعودية، دولة قطر، والإمارات العربية المتحدة)، تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز الطابع البروتوكولي التقليدي. فمنذ توليه السلطة، شكّلت سياسة ترامب محطة مفصلية في مسار الدبلوماسية الأمريكية، إذ اعتمدت على مزيج من القوة الدبلوماسية والشراكات البراغماتية، بما يخدم مصالح واشنطن في مجالات الاقتصاد والأمن والسياسة.

واليوم، ومع احتدام التنافس الدولي وتصاعد الأزمات الإقليمية، تبدو هذه الزيارة فرصة لإعادة صياغة موازين العلاقات وبلورة تحالفات جديدة، لا سيما في ملفات حساسة مثل العلاقات الخليجية-الإيرانية، ومسار التطبيع العربي-الإسرائيلي، في ظل حاجة المنطقة إلى من يعيد ضبط معادلاتها المتقلبة.

المحور الأول: الدلالات السياسية والاستراتيجية للزيارة تثبيت التحالفات وبناء شراكات جديدة
تشكل زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى (الثالوث الخليجي ) محطة استراتيجية بالغة الأهمية، تتجاوز الأطر البروتوكولية التقليدية، وتحمل في مضامينها رسائل سياسية واضحة تعكس ملامح توجهات واشنطن الجديدة إزاء قضايا المنطقة.
ويأتي اختيار الرياض كأول محطة خارجية تليها قطر و الامارات للرئيس الأمريكي في سياق مغاير للأعراف الدبلوماسية المعتادة، التي كانت تفضّل أن تكون الوجهة الأولى نحو العواصم الأوروبية أو دول الجوار المباشر، ما يؤكد أن منطقة الخليج باتت تمثّل أولوية متقدمة في حسابات واشنطن الاستراتيجية.

كما تتزامن الزيارة مع سياق إقليمي يتسم بتصاعد التوترات وتنامي التهديدات الأمنية الناتجة عن تمدد التنظيمات الإرهابية. وفي هذا الإطار، يُتوقَّع أن تسهم الزيارة في تدشين مسار جديد لإعادة هيكلة التحالفات الإقليمية، وفق رؤية أمريكية–خليجية موحدة، حيال قضايا الأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، واحتواء النفوذ الإيراني، وبلورة تحالف أمني–سياسي يقوم على التعاون المتكامل في المجالات السياسية والأمنية والثقافية، ويمهد لقيام منظومة أمنية إقليمية قادرة على مواجهة التحديات المتصاعدة.

المحور الثاني: الملامح الاستراتيجية للشراكات الاقتصادية والاستثمارية وصفقات الدفاع
تستند الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الخليج إلى مبدأ تكامل أدوات القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، بما يحقق المصالح الحيوية المشتركة ويضمن استقرار منطقة تُعد شريانًا حيويًا لإمدادات الطاقة والملاحة العالمية.

وتتجلّى هذه الرؤية من خلال الانتشار العسكري الأمريكي عبر قواعد استراتيجية كـ”العديد” و”الظفرة”، وتعزيز الشراكات الأمنية في مجالات مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات، فضلاً عن دعم التكامل الأمني الإقليمي في إطار مجلس التعاون الخليجي.
وتحظى المصالح الاقتصادية بأولوية خاصة ضمن هذه العلاقات، إذ يُتوقع أن تركّز الزيارة على دعم الصادرات الأمريكية، جذب الاستثمارات الخليجية، وضمان أمن الطاقة. كما ستبرز قطاعات الطاقة المتجددة، التكنولوجيا المتقدمة، والبنية التحتية كمجالات واعدة للتعاون الثلاثي والمتعدد الأطراف.

وتحتل صفقات السلاح مكانة محورية في العلاقات الأمريكية الخليجية، باعتبارها أداة استراتيجية تعزز القدرات الدفاعية لدول المنطقة، وتدعم في الوقت ذاته الصناعات الدفاعية الأمريكية. ومن المنتظر أن تشهد الزيارة توقيع صفقات نوعية تلبي الاحتياجات الدفاعية لدول الخليج، وتعزز التعاون العسكري والاستخباراتي المشترك.

كذلك، يُتوقع أن تتناول الزيارة آفاق توسيع الاستثمارات المشتركة في مشاريع تنموية ذات طابع استراتيجي، خاصة في مجالات الطاقة النظيفة، البنية التحتية، والذكاء الاصطناعي، بما يسهم في دعم مسارات التنمية المستدامة، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.

زيارة ترامب إلى الرياض تأتي بعد إبرام اتفاق استثماري ضخم بين البلدين، حيث تعهدت السعودية باستثمار تريليون دولار في الشركات الأمريكية على مدى أربع سنوات، مع التركيز بشكل خاص على قطاع الدفاع. هذا الاتفاق قد يساهم في فتح المجال لمناقشة قضايا استراتيجية أخرى، بما في ذلك ملف البرنامج النووي السعودي.

المحور الثالث: مقاربة أمريكية لحلحلة الملفات العالقة وتعزيز الأمن الإقليمي
تُعد القضية الفلسطينية–الإسرائيلية من أعقد قضايا المنطقة، ولا تزال بحاجة إلى مقاربة دبلوماسية شاملة لإحياء عملية السلام. ومن المتوقع أن تسعى الإدارة الأمريكية إلى استئناف مسار المفاوضات بين الجانبين، من خلال تقديم مبادرات أو مقترحات جديدة، رغم ما يكتنف ذلك من تحديات كبرى، أبرزها الانقسامات الفلسطينية الداخلية، وضعف السلطة الفلسطينية، والتعنت الإسرائيلي.

إلى جانب ذلك، تواجه المنطقة سلسلة من الأزمات في اليمن، وسوريا، وليبيا، تحتاج إلى جهود دبلوماسية مكثفة وتوافقات إقليمية ودولية للوصول إلى حلول سياسية دائمة. ومن المرجح أن تعمل الولايات المتحدة، عبر هذه الزيارة، على دعم جهود الوساطة الدولية، وتقديم المساعدات الإنسانية، والمساهمة في بناء مسارات سلام مستدامة.

ويظل الإرهاب والتطرف من أبرز التحديات الأمنية، ما يتطلب تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف. ومن المتوقع أن تؤكد الزيارة التزام الولايات المتحدة بدعم القدرات الدفاعية لدول المنطقة، وتقديم المساعدات الأمنية واللوجستية اللازمة.

كما يشكّل الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل — التقليدية وغير التقليدية — أحد المحاور الأساسية للسياسة الأمريكية في المنطقة. ومن المنتظر أن تجدد الزيارة دعم واشنطن للجهود الدولية الرامية إلى الحد من هذه التهديدات وتعزيز منظومة الأمن الإقليمي.

تمثّل الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الثالوث الخليجي نقطة تحول هامة في ظل التحولات الجيوسياسية الحالية، حيث تشكّل فرصة استراتيجية لإعادة صياغة التحالفات والمصالح في منطقة الشرق الأوسط. في وقت تمر فيه المنطقة بمرحلة دقيقة، تفرض الحاجة إلى نهج شامل يعتمد على الحوار الاستراتيجي والتكامل في المجالات الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية. هذه الزيارة تفتح الباب أمام تعزيز التعاون لمواجهة التحديات والتهديدات المشتركة، ويعتمد نجاحها على قدرة الأطراف المعنية على استثمارها بشكل يضمن أمن واستقرار المنطقة، ويعزز مسارات التنمية المستدامة والسلام الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى