أبرز العناوينأوراق استراتيجيةمقال الرأي

أفغانستان: محور اهتمام الحراك الدولي والخليجي

الاستماع للمقال صوتياً

كاليفورنيا – مقال الرأي

الدكتور عبيد الله برهاني 

تتصدّر أفغانستان راهنًا واجهة الاهتمام الإقليمي (الخليجي) والدولي، في ظل واقع سياسي وأمني بالغ التعقيد، فرضته المتغيرات التي أعقبت سيطرة حركة طالبان على السلطة. وبينما تتقاطع الأجندات والمصالح في هذا المشهد المضطرب، يتعاظم دور الأمم المتحدة باعتبارها الجهة الراعية لمسار الاجتماع الدولي الرابع حول أفغانستان، الذي تستضيفه الدوحة قريبًا بهدف احتواء تداعيات المرحلة، وتهيئة بيئة تفاهم دولي وإقليمي حول مستقبل البلاد.

وتتقدّم قطر الواجهة بوصفها الوسيط والميسّر الأبرز لهذا الحوار، مستندة إلى خبرة تراكمت عبر استضافة وتيسير جولات المفاوضات الدولية حول أفغانستان، والتي أفضت إلى اتفاقية تاريخية باتت تشكّل مرجعية معتمدة لدي كل الأطراف المعنية بالأمر. وإلى جانبها، تبرز أدوار إقليمية فاعلة، تأتي في مقدمتها السعودية، صاحبة الحضور التقليدي والتاريخي في الشأن الأفغاني منذ الحقبة السوفياتية، والإمارات التي تنظر إلى الملف الأفغاني من زاوية استراتيجية ترتبط بموقع أفغانستان كبوابة لوسط آسيا، ضمن استراتيجيتها اللوجستية والاقتصادية.

ورغم اختلاف الملف الأفغاني عن أزمات إقليمية أخرى، كالوضع السوري، فإن التقارب الخليجي الأخير يقدّم نموذجًا يمكن البناء عليه لتحقيق تفاهمات مشتركة تسهم في استقرار أفغانستان، وتجنّب تحوّلها إلى ساحة صراع مفتوح يعيد إنتاج أزمات سابقة في المنطقة.

وقد شهدت المنطقة مؤخرًا تقدمًا ملحوظًا في مسار التنسيق الخليجي، تجلّى في تقارب وجهات النظر حول الملف السوري، رغم اختلاف السياقين الأفغاني والسوري من حيث المعطيات الجغرافية والاجتماعية والفكرية. ومع ذلك، يعكس هذا التقارب نموذجًا قابلًا للتكرار في الملف الأفغاني، بما يتيح تحقيق تفاهمات إقليمية تدعم استقرار المنطقة.

وفي تطوّر لافت ضمن الملف الأمني، جرى مؤخرًا حوار مباشر بين واشنطن وكابول، في إطار مناقشة القضايا الأمنية المشتركة، أسفر عن مؤشرات إيجابية، تمثّلت في عدم إدراج أفغانستان ضمن القائمة الأمريكية للدول المهدِّدة للأمن الدولي، في خطوة اعتبرتها بعض الأوساط رسالة تهدئة مرحلية، وإن كانت لا تعني بالضرورة تراجع المخاوف المرتبطة بالأوضاع الأمنية في البلاد.

وفي السياق ذاته، برز تطوّر إيجابي في ملف مكافحة المخدرات، حيث أسفر التعاون بين الأمم المتحدة والسلطات في كابول عن تقليص مساحات زراعة وإنتاج المخدرات. وعلى الرغم من أهمية هذا الإنجاز، تبقى التحديات البنيوية قائمة، وتتطلب مقاربة أشمل تتجاوز الحوار الثنائي، وتستند إلى تنسيق خليجي فاعل، يتقدّمه الدور القطري، بالنظر إلى انعكاسات هذا الملف على الأمن الإقليمي.

وبين مؤشرات الانفراج المحدودة في بعض الملفات، واستمرار التعقيدات في أخرى، تبرز الحاجة إلى قراءة معمّقة لطبيعة التحديات التي تواجه أفغانستان. إذ تتفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية، وتتزايد القيود المفروضة على الحقوق والحريات، لا سيما ما يتعلّق بالمرأة والتعليم. وهو ما يستدعي تحرّكًا دوليًا وخليجيًا منسّقًا لتعزيز الدعم الإنساني، وضمان احترام الحقوق الأساسية، مع استمرار الدور القطري في تنسيق هذه الجهود.

في المقابل، تتصاعد الهواجس الأمنية مع تمدّد نفوذ الجماعات المتطرّفة، وسط تداخل مصالح إقليمية ودولية معقّدة. الأمر الذي يتطلّب تنسيقًا أمنيًا ودبلوماسيًا خليجيًا–دوليًا محكمًا، يمكن لقطر أن تضطلع فيه بدور الوسيط والميسّر. وهو ما يستدعي تبنّي مقاربة شاملة ومتوازنة، تقوم على حوار سياسي جاد، وجهود إنسانية وأمنية واقتصادية متكاملة، تضع مصلحة الشعب الأفغاني وأمن المنطقة في صدارة الأولويات.

وتعكس التطورات المتباينة في المشهد الأفغاني — بين مؤشرات انفراج محدودة واستمرار التعقيدات — الحاجة إلى قراءة تحليلية معمّقة لطبيعة التحديات وتداعياتها المباشرة على الأمنين الإقليمي والدولي.

تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في أفغانستان، مع استمرار قيود طالبان على الحقوق والحريات، خصوصًا فيما يتعلّق بالمرأة والتعليم. وهو واقع يستدعي تحرّكًا دوليًا وخليجيًا منسّقًا لدعم الجهود الإنسانية، وضمان احترام الحقوق المدنية، مع إبراز الدور المحوري لقطر في تنسيق هذه المبادرات.

في الوقت ذاته، تتصاعد المخاوف الأمنية بسبب تمدّد الجماعات المتطرّفة وتضارب المصالح الإقليمية والدولية، ما يستوجب تنسيقًا أمنيًا ودبلوماسيًا مشتركًا، يمكن أن تلعب فيه الدبلوماسية القطرية دور الوسيط والميسّر لتعزيز الاستقرار
هذه الصورة المركّبة تفرض تبنّي مقاربة شاملة ومتوازنة، ترتكز على حوار سياسي بنّاء، وجهود إنسانية وأمنية واقتصادية متكاملة، تُقدَّم فيها مصالح الشعب الأفغاني وحقوقه على أي اعتبارات أخرى.

يشهد الاجتماع الرابع بين المجتمع الدولي وطالبان تباينًا في المواقف؛ حيث يؤكد المجتمع الدولي أهمية تشكيل حكومة شاملة منبثقة عن حوار أفغاني جامع، إلى جانب احترام حقوق الإنسان، ولا سيما تعزيز حقوق المرأة، ومكافحة الإرهاب. في المقابل، تطالب طالبان (حكومة امر الواقع) برفع العقوبات، الاعتراف بها سياسيًا، والإفراج عن الأموال المجمدة متمسكة بمطالبها بشكل واضح، تبقى مطالب المجتمع الدولي مفتوحة للنقاش، في ظل تعثّر التقييم الأممي لملف الحوار السياسي وإدماج النساء نتيجة غياب ممثل خاص.

يصطدم التوافق الدولي والإقليمي حول أفغانستان بعقبات أبرزها فجوة الثقة مع طالبان وتشابك المصالح، ما يتطلّب حوارًا مرنًا بوساطة قطرية وتنسيقًا خليجيًا. اقتصاديًا، يحتاج البلد لخطة إنعاش شاملة بدعم دولي وخليجي تقودها قطر، بينما يستلزم الملف الحقوقي ضغوطًا دبلوماسية منسّقة لحثّ طالبان على قدر أكبر من المرونة إزاء قضايا الحقوق والحريات، مستفيدًا من علاقات قطر المتوازنة مع مختلف القوى.

في ظل تعقيدات المشهد الأفغاني، لا يمكن تحقيق الاستقرار إلا من خلال مقاربة دولية-إقليمية متوازنة تقوم على حوار سياسي وانسجام أمني وإنساني واقتصادي مستدام. وبينما تتضارب المصالح الإقليمية، يظل مسار الدوحة بقيادة قطر الخيار الأكثر واقعية لتقريب وجهات النظر وتحويل الأزمات إلى فرص. ونجاح هذا المسار لا يخدم أفغانستان وحدها، بل يعزز الأمن الإقليمي ويحمي مصالح الخليج. المرحلة المقبلة تتطلب إرادة سياسية وتنسيقًا خليجيًا جادًا يضع مصلحة الشعب الأفغاني فوق الحسابات الظرفية

د. عبيد الله البرهاني

أكاديمي وكاتب سياسي أميركي من أصل أفغاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى