آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

المحادثات الإيرانية–الأميركية وتأثيرها الإقليمي

الاستماع للمقال صوتياً

كاليفورنيا – مقال الرأي

الدكتور عبيد الله برهاني 

استؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة يوم السبت 11 أبريل 2025 في سلطنة عُمان، وقد وصفت بأنها “بداية إيجابية”. تمثل هذه المحادثات خطوة أولى مترددة نحو الأمام بعد سنوات من الجمود الدبلوماسي، لكنها تظل مرتبطة بإرث طويل من انعدام الثقة والتوترات الجيوسياسية.
منذ الانسحاب الأحادي لإدارة ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 في عام 2018، بقيت العلاقات الثنائية في حالة جمود رغم محاولات متكررة لإحياء الاتفاق. وتستمر العقبات البنيوية لدى الطرفين، إلى جانب التطورات الإقليمية والدولية المتغيرة، في عرقلة أي تقدم فعلي.
تشكل المطالب الأمريكية المتعلقة بفرض قيود أكثر صرامة على البرنامج النووي الإيراني إحدى أبرز هذه العقبات. إذ ترى طهران أن برنامجها النووي يمثل عنصراً من عناصر السيادة الوطنية وورقة استراتيجية أساسية، وأن التنازل عنه سيُضعف موقفها الإقليمي ويؤثر سلباً على تماسكها الداخلي. وبالتالي، من غير المرجح أن تستجيب إيران للمطالب الأمريكية الحالية، ما يزيد من احتمالات تعثّر المفاوضات مجدداً، رغم المؤشرات الأولية الإيجابي.
في المقابل، تعتمد إيران استراتيجية “شراء الوقت” من خلال المحادثات، مدركةً أنها فقدت كثيراً من أوراق القوة ولم تعد تملك خيارات حاسمة لصالحها، سواء واصلت التفاوض أو توقفت عنه. وهي تدرك أن الهدف الغربي لم يعد إسقاط النظام أو نشر الفوضى الخلاقة – التي لم تعد تصبّ في مصلحة أحد – بل تحجيم النفوذ الإيراني لضبط توازن القوى إقليمياً. كما تراهن طهران على أزمات دولية كبرى، مثل الحرب في أوكرانيا والصراعات الإقليمية، لكسب مزيد من الوقت والمناورة، ما يمنحها هامشاً لتطوير برنامجها النووي بوتيرة محسوبة دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.
أما روسيا، فرغم علاقاتها المتينة مع إيران، لا يُتوقع أن تكون حليفاً موثوقاً في هذا المسار. إذ تسعى موسكو إلى موازنة مصالحها في المنطقة مع علاقاتها مع الغرب، ولن تُجازف باستقرارها الاقتصادي والسياسي من أجل دعم طهران في مواجهة مباشرة مع واشنطن. هذا الموقف يزيد من عزلة إيران دولياً ويُضعف من قدرتها التفاوضية.
أما تحفظ إيران الحالي تجاه التصعيد العسكري المباشر، فيعكس إدراكها لحجم المخاطر. فالمواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة ستكون باهظة الكلفة على الصعيدين العسكري والاقتصادي، وقد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي بشكل خطير. ومع ذلك، فإن هذا الحذر لا يعني غياب أدوات التصعيد غير المباشر، إذ ما تزال إيران تحتفظ بنفوذها لدى بعض الفصائل المسلحة في العراق واليمن، وإن كانت هذه الأوراق تمرّ بحالة من التراجع التدريجي.
في هذا السياق المعقد، تبرز أدوار قوى إقليمية ودولية أخرى كعوامل مؤثرة. فإسرائيل تتابع التطورات عن كثب وتستعد لكافة السيناريوهات، بما في ذلك الخيار العسكري الأحادي. ودول الخليج، على الرغم من قلقها من الانفجار المحتمل، تحرص على حماية مصالحها الاستراتيجية مع واشنطن من دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة. أما الصين، المعنية باستقرار مصادر الطاقة، فتميل إلى التهدئة وتسعى للعب دور اقتصادي بعيد عن التصعيد. في حين يبدو الاتحاد الأوروبي مشلولاً بسبب انقساماته الداخلية وتبعيته السياسية للولايات المتحدة.
تقف المحادثات الإيرانية–الأمريكية عند منعطف حاسم، في ظل الخلافات العميقة والضغوط المتعددة. المطلوب هو مقاربة دبلوماسية شجاعة تركز على نقاط الاتفاق، لأن الإصرار والعناد السياسي والمبالغة في الشروط قد يفتحان الباب أمام مستقبل أكثر قتامة، لا لإيران وأمريكا فحسب، بل للمنطقة بأسرها.
الخيار العسكري الأمريكي: مغامرة تكتيكية أم رهان استراتيجي؟
في ظل انسداد المسار الدبلوماسي، بدأت بعض الدوائر الأمريكية تلوّح بإمكانية اللجوء إلى عمل عسكري محدود كحل محتمل. وعلى الرغم من أن هذا الخيار قد يبدو مغرياً من الناحية التكتيكية، إلا أن تداعياته الاستراتيجية تنذر بعواقب وخيمة. فمن المرجّح أن يُقابَل بردود إيرانية غير مباشرة، عبر تفعيل ما تبقّى من شبكاتها المسلحة في العراق واليمن ولبنان. كما يُتوقع أن تُستهدف المصالح الأمريكية المنتشرة في منطقة الخليج، ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي وتهديد حركة التجارة الدولية.
علاوة على ذلك، قد يؤدي هذا السيناريو إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط والغاز عالمياً، الأمر الذي سينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي برمته. والأسوأ من ذلك، أن اللجوء إلى الخيار العسكري قد يدفع إيران إلى تسريع وتيرة برنامجها النووي وتحويله إلى مسار عسكري ردعي، كردّ فعل على ما تعتبره تهديداً وجودياً.
أما البيئة الإقليمية، فتتسم بهشاشة واضحة وتربص متبادل. فالفشل في التوصل إلى حلول دبلوماسية قد يؤدي إلى تداعيات جسيمة تشمل مختلف الفاعلين الإقليميين. إذ قد تسارع دول الخليج – وعلى رأسها السعودية والإمارات – إلى تطوير برامج ردع ذاتية لتعزيز أمنها. بينما قد تكثف إسرائيل عملياتها العسكرية والاستخباراتية الاستباقية. وفي المقابل، من المرجح أن تسعى تركيا إلى استغلال حالة عدم الاستقرار لتوسيع نفوذها الإقليمي. كما ستجد الجماعات المسلحة غير الحكومية مبررات جديدة لتوسيع نطاق عملياتها وتصعيدها.
دولياً، تسعى الصين للحفاظ على استقرار إمدادات الطاقة وتوسيع نفوذها الاقتصادي في إيران من دون الانخراط في صراع مباشر. أما الاتحاد الأوروبي، فيبقى في موقف ضعيف ومتردد، نظراً لاعتماده الأمني الكبير على الولايات المتحدة والانقسامات التي تحدّ من فعاليته.
في ضوء هذه المعطيات، تقف المفاوضات الإيرانية–الأمريكية على مفترق طرق حرج. فالفجوات العميقة في المواقف، والتعقيدات الناتجة عن الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية، تجعل الوصول إلى تسوية مستدامة أمراً بالغ الصعوبة. لذا، لا بد من تبنّي مقاربة دبلوماسية خلاقة وجريئة، تعترف بتباين المصالح وتركّز على نقاط التلاقي، بدلاً من التمسك بشروط تعجيزية. فالتصلب السياسي وتصعيد لغة التهديد لا ينذران إلا بمستقبل أكثر عنفاً واضطراباً، سواء في العلاقات الثنائية أو على مستوى استقرار المنطقة بأسرها.

د. عبيد الله البرهاني

أكاديمي وكاتب سياسي أميركي من أصل أفغاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى