
هل اقتربت عودة الأقنية الدبلوماسية المباشرة بين واشنطن وكابول؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
كاليفورنيا – مقال الرأي
بقلم الدكتور عبيد الله برهاني
شهدت العلاقات الأمريكية-الأفغانية تحولًا كبيرًا بعد لقاء وفد أمريكي في كابول، بحضور زلماي خليل زاد وآدم بويلر، حيث انتقلت هذه العلاقات من مرحلة الجمود إلى مرحلة الحوار والتواصل المباشر. ورغم هذا التحول الملحوظ، يبقى التساؤل قائمًا حول ما إذا كان سيؤدي إلى فتح آفاق جديدة للتعاون. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات جوهرية تعترض بناء شراكة استراتيجية مستدامة، ما يتطلب جهودًا متواصلة لتحقيق الاستقرار والتوافق على القضايا الأساسية.
تشكل سياسات طالبان الداخلية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، عائقًا رئيسيًا أمام تقاربها مع الولايات المتحدة. فقيودها على حقوق المرأة والحريات العامة تتعارض مع القيم الغربية، مما يصعّب على واشنطن تبرير أي دعم أو اعتراف رسمي بحكومتها أمام الرأي العام الأمريكي والمجتمع الدولي. ومع ذلك، أظهرت الولايات المتحدة مؤشرات على تغيير موقفها تجاه طالبان، حيث ألغت المكافأة المخصصة للقبض على سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في الحكومة الأفغانية. كما لم يتضمن التقرير السنوي للاستخبارات الأمريكية أفغانستان أو حركة طالبان ضمن التهديدات المحددة للأمن القومي والمصالح الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، تبرز التحديات الإقليمية التي تعقّد مسار العلاقات الأمريكية-الطالبانية. فدول الجوار، مثل إيران وباكستان والصين، تمتلك مصالح استراتيجية متباينة في أفغانستان، وقد تتعارض هذه المصالح أحيانًا مع أهداف الولايات المتحدة. على سبيل المثال، تظل إيران حذرة تجاه طالبان بسبب تاريخها العدائي معها، ولم تتخلَّ عن سياستها في تصدير الثورة واستغلال الورقة المذهبية، ما يثير مخاوف بشأن أمنها ومصالحها الاقتصادية. أما باكستان، التي تربطها علاقات معقدة مع طالبان، فترى أن التقارب الأمريكي مع الحركة قد يهدد نفوذها في أفغانستان، خاصة في ظل المخاوف من تعزيز الدور الهندي هناك. من جهة أخرى، تراقب الصين الوضع في أفغانستان عن كثب، سعيًا لتوسيع نفوذها الاقتصادي في المنطقة، وقد لا ترى في التقارب الأمريكي-الطالباني ما يخدم مصالحها.
لا تقتصر التحديات على السياسات الداخلية والتفاعلات الإقليمية، بل تمتد إلى وجود أطراف فاعلة داخل أفغانستان وخارجها تعارض تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وطالبان. داخليًا، قد ترفض فصائل متشددة داخل طالبان أو قوى سياسية أخرى أي تقارب مع واشنطن. وخارجيًا، قد ترى بعض الدول أو الجماعات أن تعزيز العلاقات بين طالبان والولايات المتحدة يشكل تهديدًا لمصالحها. والمشهد السوري مثال على ذلك، حيث تعرقلت الجهود الدولية والخليجية بسبب تعارض المصالح الإقليمية..
ورغم هذه التحديات، هناك عوامل قد تدفع نحو استمرار التواصل المحدود بين الولايات المتحدة وطالبان، وعلى رأسها التعاون في مكافحة الإرهاب، حيث يتقاطع اهتمام الطرفين في محاربة تنظيم “داعش خراسان”، مما قد يشكل أساسًا للتعاون الأمني. كما أن استقرار أفغانستان، حتى تحت حكم طالبان، قد يكون مفيدًا للأمن الإقليمي، إذ يمكن أن يساعد في تقليل احتمالات اندلاع صراعات جديدة أو تدفقات اللاجئين إلى الدول المجاورة.
ومع ذلك، فإن هذا التواصل لا يعني بالضرورة التوجه نحو شراكة استراتيجية. فالولايات المتحدة لم تعترف رسميًا بحكومة طالبان، ما يشير إلى أن هذا التواصل لا يعدو كونه ضرورة تكتيكية. كما أنه محكوم بحسابات سياسية داخلية تسعى من خلالها الإدارة الأمريكية إلى تجنب إعطاء انطباع بتطبيع العلاقات مع حركة لا تزال بعض أجنحتها تحمل إرثًا من العداء.
لا شك أن الفرصة لا تزال متاحة أمام حكام أفغانستان، حيث يؤدي تضارب المصالح بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين ودول المنطقة إلى خلق مساحة للمناورة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون المحتمل بين الولايات المتحدة ودول الخليج قد يوفر فرصة جديدة لإقامة شراكة مستدامة.
تبقى العلاقة بين الولايات المتحدة وطالبان أسيرة توازن معقد بين المصالح المتبادلة والتحديات الداخلية والإقليمية. ورغم أن الحوار والتواصل قد يكونان ضروريين في بعض المجالات، فإن العقبات السياسية والحقوقية والإقليمية لا تزال قائمة، مما يعرقل أي تقدم نحو بناء شراكة استراتيجية مستدامة. يتطلب تجاوز هذه التحديات مرونة وتنازلات متبادلة من كلا الطرفين، وهو أمر غير مضمون في ظل الظروف الراهنة.
تتسم العلاقة بين الولايات المتحدة وطالبان بتعقيد ناتج عن توازن المصالح والتحديات الداخلية والإقليمية. ورغم ضرورة الحوار في بعض المسائل الأمنية والإنسانية، توجد عوائق كبيرة أمام شراكة استراتيجية مستدامة بسبب التباين في الأهداف حول حقوق الإنسان والقضايا الإقليمية، مثل علاقات طالبان مع دول الجوار ودور القوى الدولية.
تبرز القضايا الحقوقية كعائق جوهري، حيث تواجه سياسات طالبان تجاه حقوق المرأة والحريات العامة انتقادات أمريكية حادة. كما يعقّد الوضع الإقليمي، بتأثير علاقات طالبان مع باكستان وإيران، تحقيق الاستقرار.
وبينما توجد فرص للتعاون في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي، فإن تجاوز التحديات يتطلب مرونة وتنازلات متبادلة. قد يكون الحل في شراكة مشروطة تلبي مصالح الطرفين ضمن السياسة الأمريكية في المنطقة، وهو رأي تؤيده بعض الأطراف الأمريكية وحلفاء واشنطن في الخليج. يبقى مستقبل العلاقة غير مؤكد ويعتمد على التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، مما يجعل الطريق نحو شراكة استراتيجية مستدامة غير واضح حاليًا، ويتطلب قرارات جريئة، مثل فتح قنوات دبلوماسية لضمان المصالح المشتركة.