آخر التحديثاتأبرز العناوينأوراق استراتيجية

الحوار المباشر بين الولايات المتحدة وطالبان في كابول: أبعاد سياسية واستراتيجية

الاستماع للمقال صوتياً

كاليفورنيا – مقال الراي

الدكتور عبيد الله برهاني

تشهد الساحة الدولية تطورات متسارعة في ظل تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وجمود المشهد السياسي في أفغانستان. وفي هذا السياق، أثارت مبادرة الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، المتمثلة في فتح حوار مباشر مع حركة طالبان في كابول للتفاوض بشأن إطلاق سراح السجناء، تساؤلات عديدة حول أبعادها السياسية والاستراتيجية.

تُعد هذه الخطوة ذات أهمية تتجاوز مجرد صفقة تبادل؛ إذ قد تمتد لتشمل مناقشة القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، مع ضمان المصالح الأمريكية في أفغانستان والمنطقة بشكل عام. ويُشكل ملف السجناء محورًا حساسًا في هذه المحادثات، حيث يُعد ورقة ضغط بيد طالبان قد تُوظفها لتحقيق مكاسب سياسية، كما يمكن استغلاله كضمانة لتعزيز الثقة بين الطرفين.

أولاً: السياق السياسي للمحادثات

شهدت أفغانستان منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021 تغييرات واسعة شملت الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. ورغم نجاح الحركة في تحقيق استقرار أمني نسبي، فإن الاقتصاد شهد تدهورًا ملحوظًا بفعل الانسحاب الدولي وتجميد الأصول، ما أدى إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة.

اجتماعيًا، فرضت طالبان قيودًا صارمة على النساء، شملت حظر التعليم الثانوي والجامعي، ومنعهن من العمل في العديد من القطاعات، ما أثار انتقادات دولية واسعة. ولم تحظَ الحركة حتى الآن باعتراف دولي رسمي، حيث تُشترط تحسين أوضاع حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق المرأة، كشرط أساسي لأي تقارب دبلوماسي.

تعاني البلاد أيضًا من تراجع في الحريات العامة وفرض قيود مشددة على الإعلام والأنشطة الثقافية، ما يعكس وضعًا متأزمًا يتسم بتوازن هش بين استقرار أمني نسبي وأزمة اقتصادية واجتماعية حادة، وهو ما يفرض تحديات كبيرة على مستقبل البلاد.

في هذا السياق، كشفت خطوة إدارة الرئيس دونالد ترامب بالعودة إلى طاولة الحوار المباشر مع سلطة الأمر الواقع في كابول بشأن الإفراج عن السجناء عن نوايا أمريكية لإيجاد مخرج للأزمة الأفغانية. وتعتمد استراتيجية ترامب في إدارة ملفات المنطقة على مزيج من الضغوط القصوى والمفاوضات المباشرة لتحقيق أهدافها.

وتسعى هذه السياسة إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط السياسي والعسكري على طالبان، مع تقديم فرص للحوار المباشر كوسيلة لتحقيق حلول وسطية تضمن المصالح الأمريكية وتساهم في تحقيق استقرار نسبي في أفغانستان. وقد تسهم هذه الجهود أيضًا في تحسين ملف المساعدات الإنسانية واستمرار فتح قنوات الاتصال المباشر، سواء عبر مفاوضات مباشرة أو من خلال وسطاء من حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

ثانياً: الأبعاد الاستراتيجية للمحادثات

لا يمكن فصل هذه المحادثات عن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية الساعية لضمان نفوذها المستمر في أفغانستان من خلال تفاهمات مع حركة طالبان. تأتي هذه المساعي في إطار حماية المصالح الأمريكية في أفغانستان والمنطقة، فضلاً عن إضعاف نفوذ القوى الإقليمية المنافسة، مثل الصين، التي يُنظر إليها على أنها تسعى لملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الأمريكي.

تلعب إيران وروسيا أيضًا دورًا متزايدًا في المشهد الأفغاني، في حين تحولت باكستان، التي كانت داعمة لطالبان سابقًا، إلى موقف معادٍ لها اليوم.

هذا الواقع يدفع واشنطن إلى تعزيز وجودها السياسي في أفغانستان عبر تفاهمات مع طالبان، مع توجيه رسائل متعددة

إلى حكومة كابول بأن الشكل الحالي للحكم غير مقبول محليًا ودوليًا لابد من تغيرات جذرية أما بالنسبة ما تسمى بالمعارضة بأنها ليست محل ثقة، و لكن قد يستدعي الامر الى فتح قنوات حوار مع شخصيات أفغانية محايدة أو مقبولة إقليميًا ودوليًا

يدرك الوفد الأمريكي تمامًا طبيعة المشهد الإقليمي المعقد، بما في ذلك أدوار إيران في أفغانستان، والأزمة الأمنية التي تواجهها باكستان بسبب طالبان، إلى جانب التوترات في بلوشستان مع الحركة الانفصالية. وتعد هذه القضايا محور اهتمام أمريكي لتحقيق استقرار إقليمي يضمن توازن القوى.

وقد تُشجع هذه الخطوة طالبان على تبني تغييرات أكثر شمولية في البنية السياسية والإدارية، في نهج مشابه لما طالبت به سوريا مؤخرًا عبر سياسة مرنة ومتوازنة مع دول الجوار. غير أن هذه الخطوة قد تُفسر من قبل دول الجوار، مثل باكستان وإيران، على أنها دعم ضمني لطالبان على حساب قوى إقليمية أخرى.

على الصعيد الأمني، قد يثمر التعاون بين واشنطن وطالبان عن جهود مشتركة لمنع تحول أفغانستان إلى قاعدة للنشاطات الإرهابية التي تهدد المصالح الأمريكية. وقد يشمل هذا التعاون تبادل المعلومات الاستخباراتية وضمان أمن المواطنين الأمريكيين في أفغانستان، إلى جانب الحد من التهديدات الأمنية على دول الجوار.

اقتصاديًا، قد تمهّد هذه الخطوة لتخفيف العقوبات الاقتصادية على أفغانستان، مما يعزز فرص الاستقرار الداخلي ويفتح الباب أمام مساعدات إنسانية أمريكية. كما قد يسهم ذلك في تعزيز التجارة الإقليمية، ما يعود بالنفع على اقتصاد المنطقة برمتها.

الخاتمة

يمثل الحوار المباشر بين الولايات المتحدة وحركة طالبان بشأن السجناء الأمريكيين أكثر من مجرد خطوة إنسانية؛ فهو يعكس تحولًا في السياسات الأمريكية تجاه أفغانستان. هذه الخطوة تفتح المجال أمام تطورات سياسية وأمنية قد تترك تأثيرًا عميقًا على استقرار المنطقة ومستقبل العلاقات الأمريكية مع القوى الإقليمية الفاعلة.

ورغم أهمية هذا الحوار كخطوة نحو تسوية سياسية، فإن نجاحه يبقى مرهونًا بمدى التزام الطرفين بتعهداتهما، إلى جانب قدرة واشنطن على إقناع شركائها الإقليميين بجدوى هذه التسوية. ومن دون رؤية شاملة تُعالج جذور الأزمة الأفغانية، قد تُفضي هذه المحادثات إلى تهدئة مؤقتة فقط، مع استمرار احتمالات تصاعد التوتر، لذلك، تحتاج واشنطن إلى تبني نهج متوازن يُوفق بين الحوار السياسي وتعزيز الاستقرار الأمني لضمان تحقيق نتائج مستدامة.

د. عبيد الله البرهاني

أكاديمي وكاتب سياسي أميركي من أصل أفغاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى