آخر التحديثاتأبرز العناوينأوراق استراتيجية

تهامة اليمن: مفتاح أمن البحر الأحمر

الاستماع للمقال صوتياً

أوراق استراتيجية

 بقلم د. نجيب جبريل*

  • تهامة اليمن، وهي منطقة ساحلية استراتيجية على البحر الأحمر، تُعتبر نقطة محورية في الأمن البحري العالمي، خاصة مع الحملة العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين بدءًا من 15 مارس 2025.
  • إن سيطرة الحوثيين، المدعومين من إيران، على تهامة، وعلى ميناء الحديدة تحديدًا، تهدد حرية الملاحة البحرية، مما يؤثر على التجارة العالمية ويسبب خسائر اقتصادية فادحة للتجارة العالمية.
  • المقاومة التهامية، بدعم من القوات الجنوبية والتحالف العربي، حاولت استعادة السيطرة في 2018، لكن اتفاق ستوكهولم أوقف ذلك، مما أتاح للحوثيين تعزيز موقعهم.
  • الاستراتيجية المستدامة تكمن في دعم المقاومة المحلية وتعزيز دور أبناء تهامة في حماية سواحلهم، مما يمكن أن يضمن استقرار اليمن وأمن الملاحة.

في سياق الحملة العسكرية الأمريكية ضد مليشيا الحوثي في اليمن، التي بدأت في 15 مارس 2025 بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تبرز منطقة تهامة، وعاصمتها الحديدة، كعامل حاسم في ضمان أمن الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر. تقع تهامة على الساحل الغربي لليمن، تمتد من الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية شمالًا إلى مضيق باب المندب جنوبًا، وهو الممر البحري الاستراتيجي الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي. هذا الموقع الجغرافي الفريد يجعلها نقطة محورية للتجارة العالمية والاستقرار الإقليمي، حيث تمر عبرها نسبة كبيرة من الشحنات البحرية الدولية، حوالي 12% من التجارة العالمية، بما في ذلك 30% من حركة الحاويات، وفقًا لبيانات التجارة العالمية.

تهامة ليست مجرد منطقة جغرافية؛ بل لها تاريخ طويل من الأهمية الاقتصادية والثقافية. كان ميناء المخا مركزًا لتصدير القهوة إلى العالم، ولعب دورًا محوريًا في تجارة القهوة العربية. كما أنها تضم مدينة زبيد التاريخية، المدرجة على قائمة اليونسكو، التي كانت عاصمة للعديد من الدول على مر التاريخ ومركزًا للعلوم والفكر. يقطن المنطقة حوالي 7 مليون نسمة، تنحدر من قبائل مثل عك والأشاعرة، ولها نسيج اجتماعي وثقافي متجانس وجميعاً يعتنقون فكراً سنياً وسطياً معتدلاً. 

نظراً لأهميتها الاستثنائية، كانت تهامة هدفاً لانقلاب مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، التي عملت على السيطرة عليها لتحويلها إلى قاعدة عسكرية متقدمة تهدد حرية الملاحة في البحر الأحمر. منذ سيطرتهم على الحديدة في وقت مبكر من الصراع، استخدم الحوثيون الميناء لاستقبال مختلف الأسلحة. وفقًا لتقرير فريق الخبراء الأممي المعتمد في أكتوبر 2024 بمجلس الأمن، فرض الحوثيون جزية على السفن التجارية للسماح لها بالعبور، ناهيك عن تدهور عائدات قناة السويس. وأشار التقرير إلى أن الاضطرابات في الملاحة أدت إلى زيادة تكاليف الشحن بنسبة 30%، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.

عند اجتياح الحوثيين لتهامة في 2014، خرج أبناء المنطقة في احتجاجات واسعة النطاق لرفض الاحتلال الطائفي الحوثي الذي يختلف معهم فكرياً فهم سنة معتدلون والحوثيون زيدية شيعة متطرفون، لكن المليشيا واجهتهم بالعنف والقمع المسلح، مما دفع السكان إلى تشكيل مقاومة شعبية مسلحة لتحرير أرضهم من الاحتلال الطائفي. 

لاحقاً، تأسست ألوية المقاومة التهامية المسلحة في 2017 بدعم من الإمارات، وتضم عشرات الآلاف من المقاتلين من السكان الأصليين لتهامة مثل قبيلة الزرانيق، وتطالب بالحكم الذاتي. في أواخر 2018 وبدعم من التحالف العربي، تقدمت المقاومة التهامية بالتعاون مع القوات الجنوبية التي تعد الأقرب إلى تهامة فكرياً وثقافياً واجتماعياً، إلى مئات المترات من ميناء الحديدة. لكن الضغوط الدولية، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، فرضت اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018، الذي أوقف التقدم العسكري ومنح الحوثيين فرصة لتعزيز سيطرتهم. ونتيجة لتراخي الرباعية، وإدارة بايدن على وجه الخصوص، لم يتم تنفيذ بنود الانسحاب من الحديدة، مما مكن الحوثيين من تحويل سواحل تهامة إلى محطة لاستقبال الأسلحة المتقدمة، مثل الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وأصبحوا قادرين على إسقاط طائرات MQ-9، كما حاولوا إسقاط طائرة F-16 فوق البحر الأحمر.


المقاومة التهامية إبان معركة تحرير ساحل تهامة والحديدة

إن اتفاق ستوكهولم، الذي فرض لأسباب إنسانية، أصبح غطاءً لانتهاكات الحوثيين ضد أبناء تهامة. في سبتمبر 2021، نفذ الحوثيون مذبحة جماعية بحق تسعة من أبناء تهامة، بينهم قاصر، بعد اتهامهم زورًا بقتل قيادي حوثي، وصاحب ذلك رقص قيادات حوثية على جثث الضحايا. وفي مايو 2024، اختطف الحوثيون 11 شخصًا من تهامة، اتهموهم بالتجسس، وتعرضوا للتعذيب والتنكيل، كما تحصد الألغام الحوثية أرواح المدنيين يوميًا، خاصة الأطفال والنساء، مما يشكل انتهاكًا واضحًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. على الجانب الآخر، تنهب المليشيا كل إيرادات موانئ تهامة كالحديدة والصليف وراس عيسى وترهق كاهل السكان الأصليين لتهامة بالإتاوات والجبايات. كل ذلك يذهب لتمويل آلتها الحربية.

إن سيطرة الحوثيين على تهامة ليست مجرد قضية محلية تؤرق السكان الأصليين لتهامة؛ بل لها تداعيات جيوسياسية واسعة. فهي تهدد استقرار المنطقة، خاصة الدول المطلة على البحر الأحمر السعودية ومصر، التي تعتمد على قناة السويس للإيرادات. وفقًا لـ Dryad Global، يُتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة البحر الأحمر من 1.8 تريليون دولار إلى 6.1 تريليون دولار بحلول 2050، مما يجعل تهامة نقطة محورية للمستقبل الاقتصادي. ومع ذلك، يمكن للاضطرابات أن تكلف الاقتصاد العالمي تريليون دولار إذا لم تُحل. دعم المقاومة المحلية يمكن أن يقوض النفوذ الإيراني، ويمنع تهريب الأسلحة، ويحرم الحوثيين من مصادر تمويل ضخمة، مثل إيرادات موانئ الحديدة والصليف.

للحماية على المدى الطويل، يجب أن تركز الجهود الدولية والإقليمية على دعم المقاومة التهامية وشركائها الموثوقين لتحرير الحديدة وكامل المنطقة. كما ينبغي تعزيز دور أبناء تهامة في خفر السواحل اليمني لضمان سيطرة محلية فعالة. إن السكان المحليين هم الأقدر على حماية أرضهم بمعرفة دقيقة بتضاريسها واحتياجاتها. هذا النهج سيضمن أمن الملاحة البحرية، ويمنع تهريب الأسلحة، ويدعم استقرار اليمن وحقوق شعبه، كما سيعزز المصالح الإقليمية والدولية.

جدول: تأثير سيطرة الحوثيين على تهامة

العامل التأثير
الملاحة البحرية تهديد حرية الملاحة، زيادة تكاليف الشحن بنسبة 30%، تأثير على قناة السويس
الاقتصاد العالمي خسائر تقدر بمليارات الدولارات، خطر على تجارة 12% من التجارة العالمية
الأمن الإقليمي تعزيز النفوذ الإيراني، تهديد للدول المطلة على البحر الأحمر وخصوصاً السعودية ومصر
الحقوق الإنسانية انتهاكات مثل الإعدامات الجماعية، الاختطافات، والتعذيب

ومع استمرار الحملة الأمريكية، يبدو من المرجح أن التدخل العسكري الخارجي لن يكون حلاً مستداماً. فالتهديد المستمر لأمن التجارة العالمية والاستقرار اليمني يتطلب استراتيجية شاملة تضمن دعم المقاومة المحلية، وتعزيز الحكم الذاتي، ومعالجة التهميش التاريخي. فتهامة ليست مجرد جبهة عسكرية؛ بل هي قلب الأزمة اليمنية ومفتاح أمن البحر الأحمر. إن دعم المقاومة التهامية ليس مجرد استراتيجية عسكرية؛ بل هو خطوة لإعطاء صوت لشعب مهمش تاريخيًا وضمان حقوقه. يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن استقرار البحر الأحمر مترابط مع مصير أبناء تهامة.

*د. نجيب جبريل هو رئيس دائرة العلاقات والشؤون الخارجية باتحاد أبناء تهامة، رئيس مبادرة معاً لأجل تهامة 

المراجع الرئيسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى