
منتدى مستقبل أفغانستان في قطر: رؤية استراتيجية للإصلاح
الاستماع للمقال صوتياً
|
أوراق استراتيجية
الدكتور عبيد الله برهاني – كاليفورنيا
تمر أفغانستان بمرحلة دقيقة في تاريخها الحديث، إذ تواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة، تفاقمت في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية. في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى إطلاق مبادرة وطنية تقودها أطراف أفغانية، تهدف إلى تحقيق حوار شامل وإصلاحات جوهرية، مع الانخراط المباشر في التعامل مع الحكومة القائمة. ولا يعدّ هذا المسار خيارًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة ملحة لضمان استقرار البلاد وتحقيق تطلعات شعبها، الذي أنهكته عقود من الصراع وعدم الاستقرار.

تسعى هذه المبادرة إلى توحيد مختلف الفئات السياسية والاجتماعية والقبلية تحت مظلة حوار وطني، يضمن تمثيلًا واسعًا لكافة مكونات المجتمع الأفغاني. ويتطلب تحقيق استقرار مستدام تنفيذ إصلاحات جوهرية في المجالين السياسي والاقتصادي، بما يضمن بناء مؤسسات قوية قادرة على إدارة البلاد بفعالية. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر التواصل الفعلي مع السلطة القائمة، سعياً إلى إيجاد حلول عملية للمشكلات الراهنة، مع الحفاظ على استقلالية القرار الوطني. وينبغي أن تُوجه هذه الجهود نحو تحسين الظروف المعيشية للمواطن، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الخدمات الأساسية في مجالات التعليم، الصحة، والبنية التحتية.
منتدى مستقبل أفغانستان: منصة للحوار والتغيير
يعدّ المنتدى منصة مستقلة، غير حزبية، تُعنى بمناقشة التحديات الجوهرية التي تواجه البلاد من خلال حوار شامل ورؤية سياسية متوازنة. تأسس المنتدى بمبادرة من الأستاذ سلطان بركات، من كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة، والسيدة فاطمة الكيلاني، وهي من تتولى رئاسة المنتدى ، كما انها شخصية سياسية أفغانية بارزة وناشطة دولية في مجال حقوق المرأة والعمل الإنساني .
يضم المنتدى نحو أربعين عضوًا من خلفيات سياسية وعرقية متنوعة، تشمل مسؤولين حكوميين سابقين، ونشطاء في المجتمع المدني، وأكاديميين، حيث يلتزمون بالسعي نحو تحقيق حلول سلمية وإصلاحات شاملة تعزز الحوار الداخلي والخارجي، مع رفض قاطع أي شكل من أشكال العنف المسلح.
هذا وأن المنتدى دوماً في ختام أعماله يتبادل وجهات نظره في ورقة عمل من مناقشاته حول الموضوعات المتعلقة بالوضع الراهن في أفغانستان، أمام الحضور الكبير من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية والإسلامية وذألك نظرا لأهمية المجتمع الدولي ولفت انتباهها.
أهداف المنتدى ومحاوره الأساسية:
يعمل المنتدى على خلق بيئة من الثقة على أسس الحوار البناء، عبر إشراك مختلف الأطراف الأفغانية لتعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار والتنمية المستدامة.
يشدد المنتدى على الدفاع عن حقوق المرأة وضرورة استعادة حقوقها في مجالي التعليم والتوظيف، وفقًا للقيم الإسلامية والعادات الأفغانية المتفق عليها، مطالبًا برفع القيود المفروضة على تعليم الإناث فورًا.
تسعى المبادرة إلى تعزيز المساعدات الإنسانية والتنموية، رغم غياب الاعتراف الدولي بالحكومة الحالية، من خلال ضمان استمرار المساعدات الإنسانية، وتخفيف القيود المصرفية، ودعم القطاع الخاص.
يسعى المنتدى إلى تعميق الفهم الشامل للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة على المجتمع الأفغاني، عبر تنظيم الندوات وإجراء البحوث والمناقشات والتحليلات العلمية الواقعية.
تعزيز جسور الثقة بين مختلف الأطياف والعرقيات الأفغانية من جهة، وبين المجتمع الأفغاني والمجتمع الدولي من جهة أخرى.
الارتقاء بمستوى المشاركة النقاشية والبحثية للإسهام في تحليل القضايا الأفغانية بمختلف جوانبها، وذلك بطرق علمية دقيقة وواقعية.
دعم المبادرات والجهود الوطنية والإقليمية والدولية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار والازدهار في أفغانستان
توطيد العلاقات بين أفغانستان والمجتمع الدولي.
بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات والمراكز ذات التأثير الإيجابي على القضية الأفغانية على المستويين الإقليمي والدولي.
استقطاب الكفاءات العلمية والوطنية والسياسية من داخل أفغانستان وخارجها لدراسة ومناقشة التحديات السياسية والاقتصادية والتنموية.
تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية تهدف إلى تطوير المهارات الإدارية والمعرفية.
عقد ندوات وجلسات منظمة في عواصم دولية، مثل: الدوحة، إسطنبول، أوسلو، جاكرتا، كابول وغيرها.
نشر دراسات وتقارير تحليلية بعد كل جلسة لعرض واقع المجتمع الأفغاني أمام الحكومة المؤقتة والمجتمع الدولي.
توفير معلومات دقيقة وشاملة لصناع القرار لدعم اتخاذ قرارات مدروسة وصائبة تعتمد على بيانات موثوقة.
تعزيز دور المرأة الأفغانية في المجالات الإنسانية والسياسي.
المنتدى كبديل وخيار عقلاني:
في عالم اعتادت فيه بعض الحركات المتشددة على استخدام القوة كوسيلة لتحقيق أهدافها، يبرز المنتدى كخيار أكثر حكمة، بعيدًا عن لغة السلاح التي دفعت أفغانستان إلى مستنقع الحروب الأهلية في التسعينيات. إنه لا يحمل بندقية، بل يحمل فكرة، ولا يسعى إلى إقصاء الآخر، بل إلى التحاور معه، في محاولة للخروج من دوامة العنف التي استنزفت البلاد لعقود.
يعتمد المنتدى على مبدأ الإصلاح والتغيير التدريجي عبر الحوار، وليس عبر فوهات البنادق التي لم تنتج سوى مزيدٍ من الفوضى وعدم الاستقرار. فهو لا يهدف إلى مجرد تهدئة الأوضاع، بل يسعى إلى خلق بيئة تُمكِّن جميع الأطراف من التعبير عن رؤاها، دون أن يكون الحل الوحيد هو “إما أنت أو أنا!.
الختام
من خلال استراتيجيته القائمة على الحوار، يرسّخ منتدى “مستقبل أفغانستان” مكانته كمنصة محورية لإيجاد حلول سياسية مستدامة، داعيًا إلى مقاربة أكثر شمولًا تعكس تطلعات الشعب الأفغاني نحو السلام والاستقرار. وفي ظل محدودية نجاح السياسات الدولية السابقة، تبرز الحاجة إلى إعادة تقييم النهج المتّبع في التعامل مع أفغانستان، بما يتيح فرصًا جديدة للحوار والتفاهم، رغم التعقيدات السياسية القائمة