آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

الرئيس ترامب يطالب بقاعدة باغرام

الاستماع للمقال صوتياً

كاليفورنيا – مقال الرأي

الدكتور عبيد الله برهاني 

منذ استعادة حركة طالبان السيطرة على الحكم في أفغانستان في أغسطس 2021، شهدت البلاد تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والإقليمي والدولي، ما أثر بشكل جوهري على استقرارها ومستقبلها السياسي. كما أدت بعض الأخطاء الاستراتيجية، وأهمها إقصاء الجناح المعتدل داخل الحركة، إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد.

في هذا السياق، تم تجاهل دعوات الإصلاح التي تبناها بعض القادة المعتدلين في الدوحة، وعلى رأسهم عباس ستانكزي، وكيل وزارة الخارجية وأحد الشخصيات البارزة في مفاوضات الدوحة، والذي غادر البلاد مؤخرًا بعد فشله في إقناع الجناح المتشدد بإصلاحات من شأنها فتح آفاق جديدة للتواصل الداخلي والانفتاح على العالم. وفي الوقت نفسه، تصاعدت الأصوات المنتقدة لسياسات طالبان من داخل الحركة نفسها، مما عزز نفوذ التيار المتشدد وأثر سلبًا على سياسات الحركة، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة وفتح المراكز التعليمية في وجه الفتيات، وهو ما طالبت به الجميع وأشعل الرأي العام العالمي. كما تجاهلت طالبان التعامل مع القوى السياسية الأخرى والمجتمع المدني.

أمنيًا، تواجه طالبان تهديدًا متزايدًا من تنظيم داعش-خراسان، الذي استغل الخلافات الداخلية في الحركة لتنفيذ هجمات متكررة في أنحاء البلاد. كما أن ضعف التنسيق الأمني بين فصائل طالبان، وعدم قدرتها على فرض سيطرة كاملة على المناطق الريفية، زادا من التشكيك في قدرتها على تحقيق الاستقرار.

على الرغم من نجاح المجتمع الدولي في ضمان انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، فإن هذا الانسحاب لم يُترجم إلى دعم حقيقي للجناح البراغماتي داخل حركة طالبان. ولو تم تعزيز هذا الجناح، لكان من الممكن احتواء النهج المتشدد وتعزيز الاستقرار الداخلي. ومع ذلك، استمر التيار الأكثر تطرفًا في تعزيز نفوذه، مما أدى إلى زيادة عزلة طالبان الدولية وتصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية على حكومتها.

تُعد الأزمة الاقتصادية من أبرز التحديات الداخلية التي تواجهها طالبان، حيث أسفر انهيار النظام المالي والمصرفي نتيجة للعقوبات عن تدهور الأوضاع المعيشية. إضافة إلى ذلك، فإن رفض طالبان تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وعجزها عن جذب الدعم الدولي أديا إلى انهيار مستمر للاقتصاد الأفغاني. هذا الوضع دفع بالبعض ان تتعلى أصواتهم الناقدة ضد السياسات المتششدة، فيما أدى تعليق المساعدات الإنسانية من قبل واشنطن إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، مما ساهم في انهيار العملة وارتفاع الأسعار، وبالتالي زاد من معاناة الشعب الأفغاني. ويُتوقع أن يؤدي هذا إلى تصاعد التوترات، ما يصب في مصلحة الأطراف المعارضة.

إقليميًا، تواجه طالبان توترات مع الدول المجاورة، مثل باكستان وإيران، حول قضايا اللاجئين والمياه ودعم الجماعات المسلحة. كما أن رفضها التعاون مع المؤسسات المالية الدولية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية زاد من حدة الأزمة الاقتصادية، مما عمّق معاناة الشعب الأفغاني.

دوليًا، أدى تشدد طالبان في قضايا حقوق الإنسان إلى عزلتها، وفشلها في الحصول على الاعتراف الدولي، مما حرمها من الدعم الاقتصادي والسياسي الذي كانت بحاجة إليه، وأضعف شرعيتها داخليًا.

وسط هذه التحديات، برزت قضية مطالبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باستعادة قاعدة باغرام في أفغانستان، وهي خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية قد تؤثر على مستقبل طالبان. فمن جهة، قد يوفر قبول طالبان لهذه الخطوة فرصة للحصول على دعم اقتصادي وسياسي من الغرب، ومن جهة أخرى، قد يثير هذا القرار انقسامات داخل الحركة، خاصة بين التيار البراغماتي والجناح المتشدد الذي قد يعتبره خيانة لمبادئها.

لقد فات الأوان على الإصلاحات التدريجية، فمع تفاقم الأزمات السياسية والإدارية، لم يعد التغيير الجزئي كافيًا. لم يعد أمام طالبان خيار سوى تبني تحول جذري على المستويات الفكرية والسياسية والإدارية. فلا يمكن للحركة الاستمرار في العزلة والجمود السياسي، بل عليها السعي إلى المصالحة الوطنية والانفتاح على العالم، خاصة الولايات المتحدة.

إن التواصل مع القوى الدولية ليس تنازلًا، بل ضرورة لإخراج أفغانستان من أزمتها وإعادة دمجها في المجتمع الدولي. فإما أن تسلك طالبان طريق التغييرات الجذرية من الإصلاحات الشاملة والانفتاح، أو تبقى رهينة التشدد والعزلة، وهو ما قد يدفع البلاد نحو مستقبل مجهول. ولا يمكن لطالبان أن تستمر في العزلة والجمود السياسي، بل يجب عليها فتح آفاق المصالحة الوطنية مع الأطراف الأفغانية التي تؤمن بالحوار وترفض الحرب، بشرط ألا يكون لديها سوابق في الفساد والاختلاس، وأن تكون ملتزمة بالمصالح العليا للوطن. كما أن الانفتاح على العالم، وخاصة الولايات المتحدة، بات ضرورة قصوى لا يمكن تجاهلها. إن التواصل مع القوى الدولية ليس تنازلًا، بل خطوة أساسية لإخراج أفغانستان من أزمتها وإعادة دمجها في المجتمع الدولي. إن التغيير الجذري وحده هو الذي يمكن أن يمهد الطريق نحو الاستقرار والتنمية، أما التشبث بالنهج المتشدد، فسيؤدي إلى مزيد من الأزمات والعزلة، مما سيدفع البلاد نحو مستقبل مجهول.

تواجه طالبان تحديات داخلية وإقليمية ودولية معقدة تجعل تحقيق الاستقرار في أفغانستان أمرًا صعبًا. فقد أدى إقصاء الجناح المعتدل، وتصاعد الأزمات الاقتصادية والأمنية، وضعف التنسيق الداخلي، إلى زيادة العزلة الدولية للحركة. وفي ظل هذه التحديات، تبقى قضية قاعدة باغرام نقطة تحول محتملة، قد توفر فرصة لتعزيز الدعم الدولي، أو تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية ومزيد من الانشقاقات وزيادة الضغوط عليها.

د. عبيد الله البرهاني

أكاديمي وكاتب سياسي أميركي من أصل أفغاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى