آخر التحديثاتأبرز العناوينبوّابة سوريا
مبادرة أهلية في حلب المستقبل
الاستماع للمقال صوتياً
|
بوابة سوريا – البيت الأبيض بالعربية
بقلم د. أحمد طرقجي*
يواجه المجتمع الحلبي تحديات خاصة مع انطلاق العمل على إعادة بناء سوريا، تتعلق معظم هذه التحديات بخصائص المدينة الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية. لكن ضعف التواصل الحكومي والمدني من جهة، و عدم وضوح التغييرات من جهة ثانية يعمقان هذه التحديات و يزيدان التخوف من ان تطول فترة عدم الاستقرار أو ان يتم تهميش المدينة مما ينعكس سلباً على الدور الايجابي الذي يتطلع إليه الحلبيون لبناء الدولة السورية الجديدة.
يتطلب التعامل مع هذه الحالة مقاربة حكومية وأهلية مختلفة عن المقاربة الحالية .فالتركيز الحالي على المتطلبات اليومية المعيشية وانتظار التواصل من العاصمة لن يمكن المدينة وأهلها من القيام بدورهم المتوقع بنقل المدينة و الدولة إلى مرحلة البناء .
سيتعين على أي مقاربة جديدة التعامل مع خصائص المدينة:
فسكانياً، تعتبر المحافظة هي الأكثر سكاناً في سوريا، و المدينة نفسها احتوت أكبر كثافة سكانية حتى آخر احصائية عام ٢٠١١. عانت حلب خلال سنوات الحرب من انقسام المدينة نفسها لشطرين شرقي و غربي بالأضافه لانقسام ثالث مازال مستمرا في الأحياء المسيطر عليها من قبل وحدات حماية الشعب. كان هذا التقسيم هو الأكثر تعقيداً وتعداداً في سوريا لأنه وقع ضمن مجتمع المدينة الواحدة وازداد تأزماً بإضافة سيناريو التباين بين المدينة والريف الذي شجعه النظام المخلوع في عدة محافظات ومنها محافظة حلب . وزاد عليه طبعاً الدمار الواسع لحلب الشرقية ومعاقبة النظام المخلوع لسكان المنطقة بمنع أي فرصة لبناء أو تخديم نصف المدينة.
أما إجتماعياً ،فالمجتمع المسيحي الحلبي تاريخياً هو ثالث أكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط بعد القاهرة وبيروت. وبالتالي فإن طبيعة التفاعل الإسلامي المسيحي الحلبي مميز تاريخياً ويجب البناء عليه، فهو تعايش قائم على الاندماج والشراكة و ذو أهمية كبرى في عملية بناء مجتمع متماسك . يدحض هذا التماسك الإسلامي المسيحي المقاربات الخارجية التي تطرح التنوع السوري كتمايز أكثريات وأقليات غير قادرة على التعايش.
تنسحب هذه المقاربة لتشمل الأكراد والتركمان والشركس ومجتمعات مختلفة داخل المدينة.
على الجانب الاقتصادي، فالمدينة هي موطن حوالي ٥٠٪ من العمالة الصناعية في سوريا وتمتلك نصف حصة التصدير في سوريا وبالتالي فعودة عجلة الإنتاج الصناعي وتنشيط القطاع التجاري بسرعة هو ضرورة اجتماعية ملحة للمدينة قبل ان تكون ضرورة اقتصادية للدولة. ومن المهم جداً تولي كفاءات مشهود لها لصدارة هذه القطاعات.
تتصادم معالجة هذه الخصائص مع ثلاثة عوائق رئيسية :
١- البعد الجغرافي: فالمركزية الشديدة في المرحلة السابقة أقصت المدينة عن مراكز اتخاذ القرار و ابعدتها عن التفاعل مع الحراك السياسي و المدني . أفرز هذا الوضع تحركات محلية مبنية على اجندات شخصية للوصول لمراكز القرار ب دمشق على حساب احتياجات المدينة وأولوياتها. واستمر هذا الوضع حتى في التواصل مع الحكومة الانتقالية الحالية مؤخراً
٢-الواقع الخدمي: تواجه الحكومة الانتقالية تحديات رئيسية تتمثل ب فساد جهاز الدولة، و ضعف البنية التحتية للأجهزة الحكومية، وصعوبة تحديد الشخصيات القادرة على إدارة القطاعات الخدمية بكفاءة ونزاهة تحتاجها المرحلة مما يبطئ قدرتها على تفعيل جهاز الدولة ككل. بالمقابل تفتقر المؤسسات الخدمية بسبب بعدها الجغرافي للتوجيهات المركزية مما يجعلها غير قادرة على تقديم الخدمات اليومية وتسيير المعاملات رغم عودة الموظفين للمؤسسات . ورغم وجود بعض الاقتراحات لردم هذه الهوة في الأيام والأسابيع القادمة، إلا أن ضعف المبادرة وانتظار القرارات من المركز يزيد الوضع تعقيداً.
٣- التخوفات الأمنية: من الملحوظ جداً محدودية التفاعل المجتمعي والإداري لابناء المدينة مع الحكومة الانتقالية ومراكز صنع القرار . تعمق هذه الهوة حفيظة القيادات المجتمعية والحكومية المحلية وتخوفها من التقدم بطروحات للمساعدة في انجاح المرحلة الانتقالية في المدينة خوفاً من التعرض لملاحقات وضغوط أمنية من جهة، وبسبب عدم وضوح توجهات القيادة الحالية بالنسبة للشارع الحلبي من جهة أخرى.
للتغلب على هذه التحديات يتعين على وزراء الحكومة الانتقالية والمحافظ فتح ابواب التواصل بشكل فعال كمرحلة أولية لإزالة التخوفات.
كما يجب ان تترافق هذه المبادرة بخطوات حكومية وورشات عمل تخصصيه في المدينة مع التركيز على عقد اجتماعات وزارية نوعية مع ممثلي القطاعات المختلفة لردم الفجوة الحالية.
و بالمقابل فإن المجتمع الحلبي بحاجة لأخذ زمام المبادرة والمساعدة بتطوير اجندات تخصصية في مجالات متعددة صناعية وتجارية و قانونية وخدمية ومجتمعية. ستساعد هكذا مبادرة الحكومة الانتقالية على مواجهة تحديات المرحلة و تعزيز السلم الأهلي مع هدف بعيد المدى هو وضع تصور مستقبلي لدور المدينة في المرحلة القادمة ضمن الأجندة الوطنية حتى تعود المدينة لدورها المرجو إجتماعياً و اقتصادياً وسياسياً .
يتطلع الحلبيون اليوم لبناء مستقبل أفضل لسوريا، لكن تفعيل طاقات المدينة يحتاج لإطلاق مبادارات مدنية لتساهم حلب ببناء سورية قوية مستقلة نتطلع لها جميعاً.
د. أحمد طرقجي
الرئيس السابق لتحالف المنظمات الإغاثية السورية الأمريكية.