آخر التحديثاتأبرز العناوينبوّابة سوريا

إسقاط نظام الأسد وتداعياته على إيران وأفغانستان

الاستماع للمقال صوتياً

مقال الرأي – بوابة سوريا

الدكتور عبيد الله برهاني – كاليفورنيا

تُعتبر سوريا دولةً محورية في منطقة الشرق الأوسط، فقد كانت دائمًا مركزًا للتجاذبات والتدخلات الإقليمية والدولية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. ومع سقوط النظام السوري، الذي كان يُعدّ من أكثر الأنظمة تأثيرًا في المشهد الإقليمي، أصبحت سوريا ساحة صراع انخرطت فيها قوى دولية وإقليمية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. وبما أن النظام السوري يمثل محورًا رئيسيًا في التحالفات الإقليمية، فإن سقوطه سيؤدي إلى تداعيات جيوسياسية وأمنية عميقة على المنطقة، وخصوصًا على إيران .وأفغانستان.

يُعدّ النظام السوري حلقة وصل محورية بين إيران وحزب الله اللبناني عبر الأراضي السورية، حيث كانت تُنقل الأسلحة والإمدادات. لكن مع سقوط النظام، تمّت إعاقة هذه القدرة بشكل كبير، خصوصًا بعد مقتل قادة حزب الله، مما أضعف الحزب عسكريًا وأدى إلى تراجع تأثيره ونفوذه.

شكلت الأحداث الأخيرة في سوريا ضربة كبيرة لإيران، التي تعتبر سوريا ركيزة أساسية في سياسة “محور المقاومة”، بعد استثمار دام 24 عامًا على الصعيدين الاقتصادي والعسكري. هذا التطور يهدد الوجود الإيراني ومستقبله في دول أخرى مثل العراق، ولبنان، واليمن، والبحرين. ان السقوط نظام الأسد لا يقتصر تأثيره على وجود إيران في سوريا، بل يمتد ليُلحق أضرارًا جسيمة بمصالحها الإقليمية. لطالما كانت سوريا منصة استراتيجية لتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، ومع سقوط الأسد، يتعرض ما يُعرف بمحور المقاومة لهزة قوية، مما يفرض إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية.

قدمت إيران دعمًا اقتصاديًا كبيرًا للنظام السوري، مما شمل قروضًا وموارد. بعد سقوط النظام، ستتكبد إيران خسائر في استثماراتها في وقت يعاني فيه اقتصادها من العقوبات، ما قد يعرضها لانتقادات داخلية بسبب الإنفاق الزائد خارج البلاد.

جندت إيران مقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان (مثل لواء فاطميون وزينبيون) للقتال في سوريا. وبعد سقوط النظام السوري، أصبح أمر عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم أو انتقالهم إلى ساحات أخرى مثل العراق واليمن، يشكل تحديًا أمنيًا لإيران وأفغانستان وباكستان، ولا سيما بعد انسحاب قواتها من سوريا وتركها هذه الميليشيات وراءها، مما فسره البعض انها قد باعت جميع أوراقها.

ستواجه أفغانستان أزمة أمنية محتملة نتيجة عودة مقاتلي لواء فاطميون الذين جندتهم إيران، خصوصًا في ظل حكومة طالبان الحالية، التي تواجه تهديدات من تنظيم داعش خراسان. قد تُعتبر عودة هؤلاء المقاتلين تهديدًا أمنيًا، مما يُعقّد المشهد الداخلي
أما بالنسبة لباكستان، فسيشكل عودة مقاتلي لواء زينبيون تحديًا أمنيًا قد يُسهم في تأجيج التوترات الداخلية. وقد اندلعت في الأسابيع الأخيرة صراعات طائفية ومذهبية في منطقة بارجينار بإقليم بختونخواه في باكستان، وفشلت السلطات الباكستانية في احتوائها، وسط اتهامات بأن الإدارة الباكستانية تسعى لتأجيج الصراعات لتحقيق أهداف خاصة.

قد يُعيد سقوط نظام الأسد إلى الأذهان سيناريو العراق بعد سقوط صدام حسين، حيث استغرق استعادة الأمن وقتًا طويلا. يُرجح أن تستغل الجماعات المتطرفة هذا الفراغ الأمني لتعزيز نفوذها وعودة موجات العنف. رغم طمأنة الخطابات وبعض الخطوات العملية، فإن بعض الدول العربية تخشى من تكرار موجة الربيع العربي، حيث لا تزال بعض الحركات الثورية تعتبر امتدادًا لما حدث في تلك الحقبة. تتجذر هذه المخاوف في وجود أنظمة قمعية في بعض الدول التي تقيّد الحريات العامة، ولا تلتزم بالاستشارات الغربية أو تأخذها بعين الاعتبار.

تركيا تحمّلت عبء اللاجئين السوريين ودعمت المعارضة، ومن المتوقع أن يؤدي سقوط النظام إلى توسع نفوذها في شمال سوريا، خاصة بالمناطق الكردية، مما قد يخلق توترات مع الفصائل الكردية.

في المقابل، قد تتردد دول قد تسعى بعض الدول العربية، مثل قطر، إلى تعزيز التعاون مع تركيا في مرحلة ما بعد الأسد.
عربية أخرى في التعامل مع النظام الجديد بسبب خلفياته السياسية والفكرية وفي السياق نفسه من سقوط النظام السوري
فان الولايات المتحدة الامريكية تقوم بتكثيف وجودها في المنطقة، حفاظًا على مصالحها، سواء من خلال دعم التحولات السياسية تحت مظلة الأمم المتحدة أو من خلال تفكيك الميليشيات المدعومة من إيران.

الاستنتاجات:
خسارة إيران لحلقة استراتيجية: سقوط نظام الأسد يعني فقدان إيران لركيزة هامة في نفوذها الإقليمي، مما يعيد تشكيل التوازن لصالح دول الخليج وتركيا.
التداعيات الأمنية: عودة المقاتلين الشيعة من أفغانستان وباكستان قد تزيد الاضطرابات الأمنية والصراعات الداخلية في أفغانستان.
الفراغ الأمني وصعود التطرف: سقوط النظام السوري قد يخلق بيئة خصبة للجماعات الجهادية، مما يعزز العنف والفوضى
إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية. بينما تركيا ودول الخليج والولايات المتحدة سيسعون لملء الفراغ السياسي، مما قد يؤدي لصراعات على النفوذ.
الأعباء الاقتصادية على إيران: فقدان حليف استراتيجي سيجبر إيران على تقليص طموحاتها الإقليمية والتركيز على قضاياها الداخلية وسط الضغوط الاقتصادية والسياسية.

إن إسقاط نظام الأسد لن يكون حدثًا معزولًا، بل سيُفضي حتمًا إلى تغييرات جيوسياسية وأمنية عميقة في المنطقة. ستفقد إيران أحد أعمدة مشروعها الإقليمي، بينما ستواجه أفغانستان وباكستان تحديات أمنية مع عودة المقاتلين. من جهة أخرى، قد تُعيد المنطقة العربية ترتيب تحالفاتها، مع بروز أدوار جديدة لتركيا وقوى إقليمية أخرى. في النهاية، يمكن القول إن سقوط النظام السوري سيُعيد تشكيل قواعد اللعبة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ويفتح فصلًا جديدًا من الصراعات والتحديات الإقليمية.

د. عبيد الله البرهاني

أكاديمي وكاتب سياسي أميركي من أصل أفغاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى