آخر التحديثاتأبرز العناوينشخصيات مؤثِّرة

الرجل الذي لا تتسع له الكواكب!

الاستماع للمقال صوتياً

Time – WHIA

بقلم سيمون شوستر

ترجمة وإعداد م. بسام أبوطوق

تمهلوا للحظة لنسأل أنفسنا: من انتخبنا في العام 2024؟

فعلى رأس قائمة الجمهوريين كان لدينا اسمان، دونالد ترامب وجيه دي فانس، لكن شهر نوفمبر الانتخابي الغريب هذا خلق لدينا الانطباع بأن شخصا آخر هو الذي استولى على مصيرنا الجماعي .

عرفنا إيلون ماسك في أدوار مختلفة، فهو الرجل الذي اشترى تويتر وطرد أكثر من نصف الموظفين، وهو المخترع الذي أحيا برنامج الفضاء من جديد، وهو صانع السيارات الكهربائية العجيبة.

فجأة ينتقل إيلون ماسك إلى عالم السياسة.. يتصدر التجمعات الجماهيرية ويوجه التعيينات الحكومية ويرعى أجندة الرئيس المقبل للولايات المتحدة.

أغنى وأقوى رجال العالم، ذلك الذي ارتفعت أسواق العالم وهبطت على تغريداته، وطار رواد الفضاء في سفنه الفضائية، وتقدمت الجيوش بإشارات من أقماره الصناعية، وسادت نظريات المؤامرة في حضانته، تأتي الانتخابات الأخيرة لتكشف مدى نفوذه المتنامي.

إيلون ماسك يحيط بالعديد من جوانب الحياة الأميركية ويجذب ثقافة الأمة ووسائل إعلامها واقتصادها وأخيرا سياستها إلى مجال قوة إرادته، حتى ترامب لا يبدو رئيسا بجانبه بل رفيقا لهذا الرجل الذي لاتستوعبه تحديات الكوكب على سعتها.

ماسك وترامب يتصرفان أمام الحشود كشركاء، قد يصدران الأوامر بصوت واحد لفترة من الزمن لكن أجنداتهما لا تتوافق في كل شيء، فكلاهما مندفع ومعتاد على تولي المسؤوليات الصعبة. ولكن ماذا يحدث إذا باشرا في الصدام؟!

في هذه الحالة قد لا تكون اليد العليا لماسك، فالتاريخ حافل بحطام صناع الملوك. وبغض النظر عن مقدار الثروة أو النفوذ الذي يجمعه ماسك، فإن أدوات قوة الدولة ستبقى في يد الرئيس، وستعم الفوضى إذا قرر استخدامها ضد الملياردير الذي ساعده على العودة إلى البيت الأبيض، وفي النهاية قد تعتمد متانة شراكتهما على دوافع ماسك، فما الذي يدفعه إلى أن يصبح نبيا في المقام الأول؟ إذا كان يريد المال فقد حصل عليه 50 مليار دولار في الأسبوع التالي للانتخابات، ووصلت الذروة إلى 320 مليار دولار. لكن الثروة ليست هاجسا لدى ماسك، انظروا كيف راهن بها على مشاريع تقارب الخيال العلمي مثل وضع دفيئة على المريخ .

بالنسبة للعديد من الشباب المتوافدين لدعم ترامب يمثل ماسك تجسيدا مثاليا للإبداع وإمكانية الفعل. وإذا كان ترامب يثير حماسة أنصاره بتعهداته بتدمير المؤسسات الفاسدة، فإن ماسك يمثل الوعد ببناء كيانات جديدة وحل المشاكل الصعبة.

وقد بات من الصعب على معارضي ترامب أن يصوروا فريقه على أنه مجموعة من الحمقى عندما يتعهد أعظم مبتكر في عصرنا، والذي يتمتع بسجل حافل في تنفيذ الخطط الغريبة، بخفض الإنفاق بمقدار 2 تريليون دولار.

يمكن للديموقراطيين أن يشككوا بأن ثروة ترامب نمت من الميراث والإفلاسات المتعددة وعقود من حيل الشركات، لكنهم لن يتمكنوا من إنكار إنجازات ماسك كرجل أعمال متفوق.

وهكذا في الوقت الذي ينهار فيه  الإيمان بالحكومة، فما يتطلع إليه العديد من الناخبين هو شخص خارجي قادر قاسي ومستقل، يعرف كيف يأخذ آلة عملاقة ويجعلها أكثر رشاقة وسرعة وإنتاجية.

لقد خلق تعهد ماسك بالقيام بذلك زخما وغطاء لخفض التكاليف على نطاق لم تشهده واشنطن من قبل.

يقول أحد أعضاء الدائرة الاجتماعية لماسك: “ما فعله إيلون مع تويتر هو أنه دخل إلى العمق ونظف المنزل والآن يعمل بشكل أفضل من ذي قبل، لذا فإن من المتوقع أن يتمكن ماسك من فعل الشيء نفسه مع حكومة الولايات المتحدة”.

ولكن هذه مهمة شاقة فحتى صقور المالية العامة رفضوا وعد ماسك بإلغاء 2 تريليون دولار من الإنفاق الفيدرالي، وسوف يتطلب ذلك تقليص الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي وأجزاء أخرى من شبكة الأمان الاجتماعي.

عندما يطلب من ماسك شرح تحولاته نحو اليمين غالبا ما يذكر (فيروس العقل المستيقظ)، وهو مصطلح يستخدمه للإشارة إلى التحول نحو اليسار في المجتمع الأمريكي، والذي أدى في رأيه إلى ظهور سياسات الهوية وثقافة الإلغاء والرقابة المتفشية على الإنترنت.

قد تعتمد النتائج على الطريقة التي يتعامل بها هذا الاحتكار الثنائي الجديد- ترامب وماسك- مع المؤسسات التي سيسيطر عليها قريبا، فإذا كان الهدف هو شحذها وتحويلها إلى أدوات حكم أكثر رشاقة وفاعلية، فقد يستفيد الجمهور من إعادة تشكيل نظام أصبح مثقلا بالفساد البيروقراطي، ولكن بصرف النظر من مشاهد نجاح إيلون ماسك فما هي الفائدة التي ستنتقل إلى الأمريكيين العاديين؟

إن المؤسسات التي تقدم لنا الرعاية الصحية، وتحافظ على نظافة مياهنا، وتعلم أطفالنا، ليست مخصصة للعمل مثل الشركات، فهي ليست مبنية لتحقيق الربح، ولكن هذا لايجعلها أقل قيمة وخاصة بالنسبة للمواطنين الذين لا يجب تحميلهم التكاليف. وإذا تم القضاء على هذه المؤسسات وسط اندفاع ماسك نحو الكفاءة فلن تكون المشقة مؤقتة بالنسبة لأولئك الذين يعتمدون على الدفع الحكومي، بل سيكون الألم مدمرا، ولن تساعدهم وعود ماسك بمستقبل بين الكواكب في التغلب على مشاكل يومهم. 

 

بسام أبو طوق

مهندس وكاتب سوري - كندي مقيم في مونتريال

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى