آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

المغرب وحالة الاستقطاب الأميركي الروسي

الاستماع للمقال صوتياً

الدار البيضاء – مقال الرأي

 أيوب نصر

خلال جواب على سؤال طرحته عليّ منصة البيت الأبيض بالعربية حول مستقبل العلاقات المغربية الأمريكية، أقمت جوابي على ثلاثة عوامل يمكن منها استشراف ما ستؤول إليه هذه العلاقات، وهذه العوامل الثلاثة هي: التاريخ، وانتفاء العامل المؤثر(وهو مسألة الصحراء المغربية)، والسياقات العالمية الحالية.

لم أتوسع في بيان الأمر الثالث والمتعلق بالسياقات العالمية الحالية المتمثلة في الأزمة الأوكرانية، وحالة الاستقطاب المتولدة عنها. فالذي جرت به المقادير في الصراعات الماضية، أن الذي يدفع أطرافها إلى طاولة المفاوضات هي ساحة القتال ونتائجها.

ومنذ بداية الصراع الروسي الأوكراني (الغربي)، والناس مجمعون على أن نهايتها ستكون بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وذلك مما لا ريب فيه، فكل حرب إلا ولها نهاية واحدة وهي طاولة المفاوضات، ولكن لا يتم النزوح إليها إلا بعد أن تقضي الحرب أمرها وتضع أسلحتها، فينتصر المنتصر وينهزم المنهزم، فتكون المفاوضات وسيلة يفرض بها المنتصر شروطه حتى يوقف الحرب.

ولهذا نرى الدعم الكامل من الغرب لأوكرانيا، حتى إذا ذهبوا إلى المفاوضات، تكون لهم اليد العليا فيها، أو على الأقل تكون المناكب على المستوى نفسه من التكافؤ.

وإذا كانت نهاية هذه الحرب، أو العملية العسكرية الخاصة كما يحلو للروس تسميتها، وفق ما يشهد به التاريخ ستكون عن طريق التفاوض، إلا أن السبيل الذي سيؤذي إلى التفاوض هنا لن تحدده ساحة القتال، وإنما ستحدده القدرة على التوسع وكسب الحلفاء وبناء العلاقات، وخاصة مع الدول التي لزمت مبدأ الحياد، ولهذا نرى الصراع على العالم العربي وإفريقيا بلغ أشده بين روسيا والغرب.

فالذي سيتمكن من التوسع في المنطقة العربية والإفريقية، هو الذي سيتمكن من تحديد موعد إيقاف الحرب وبدء المفاوضات، ولعلك تسألني كيف ذلك؟؟ أقول لك: إن الغرب، وبقيادة الولايات المتحدة، يرغب في كسب مواقف الدول العربية والإفريقية، لأجل عزل روسيا عالميا، وحتى تكون للعقوبات العسكرية أثر قوي على اقتصادها، فتحشر في الزاوية، ولا يكون أمامها حل إلا الخنوع والذهاب إلى المفاوضات وهي في حالة من الذل والخضوع، راضية مرضية بما يفيء عليها به الغرب.

ولكن إذا تمكنت روسيا وآلتها الدبلوماسية، من جلب الدول العربية والإفريقية إليها وكسب ثقتها وبناء علاقات جيدة معها، فإن هذا سيجعل روسيا في فسحة من الظروف الاقتصادية، ستتمكن معها من إطالة زمن الحرب، واستنزاف الغرب، فيضطر الغرب بعد ذلك إلى البحث عن طاولة المفاوضات والرضى بكل الشروط الروسية، وهذا الذي تنشده روسيا وترجو تحقيقه من خلال ما تقوم به من تحركات ديبلوماسية وجولات في الدول العربية والإفريقية.

هناك حالة استقطاب بين روسيا وأمريكا على دول المنطقة العربية والإفريقية، وهذا الاستقطاب سيستمر حتى في حالة تجميد الصراع.

 أما المغرب، فهو  جزء من المنطقتين العربية والإفريقية، وله أهميته الجيوسياسية من جميع أبعادها، ولهذا فلن يخرج عن حالة الاستقطاب التي تستهدف المنطقة.

والمغرب يحاول بناء علاقات مع جميع الأطراف من غير أت تكون تلكم العلاقات مضرة بطرف، ولهذا ففي الوقت الذي يحافظ فيه على علاقات جبدة مع الولايات المتحدة اختار أن عن التصويت على القرار الأممي الصدار عن الأمم المتحدة بخصوص الحرب في أوكرانيا. 

كما أنه في الوقت الذي يحاول فيه بناء شراكات مع الإتحاد الروسي وتطور العلاقات معه، دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإعتراف بمقترح الحكم الذاتي للمغرب على أقاليمه الجنوبية، والقيام بزيارة للمغرب تعتبر تاريخية. 

فسياسة اليد الممدودة التي يتبعها المغرب مع جميع أطراف النزاع، جعلته يستفيد أكثر من هذا الاستقطاب، وجعلت الدول الأطراف في النزاع تحاول الإبقاء على مستوى جيد لعلاقاتها مع المغرب، ودفعهم للقيام بخطوات وإتخاذ إجراءات امتنعوا عن إتخاذها لعقود من الزمان.

إن حالة الاستقطاب العالمي المتولد عن النزاع والصراع الأوكراني، وتمكن المغرب من عدم الإنحياز لأي طرف، مهما كانت الإغراءات ومهما تعددت الضغوطات، جعل الجميع يزداد تشبتا بالعلاقات مع المغرب وتقوية الشراكة معه. 

يصعب أن تفسد العلاقات المغربية الأمريكية، في المستقبل القريب، وفي أسوأ الأحوال ستحافظ على المستوى الذي هي عليه الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى