العصر الذهبي الأميركي
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن مقال الرأي
*رغد السعدي
وعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب أن رئاسته ستكون بداية العصر الذهبي للولايات المتحدة، وهذه مسألة يجب تسليط الضوء عليها لما لها من تأثير على الشأن الداخلي والخارجي.
عام 2025 ليس فقط بداية الإدارة الأميركية الجديدة، بل هو أيضا الذكرى المئتين وخمسين من تاريخ الإستقلال الأميركي عام 1776. ومن المعروف عالمياً أن جوهر الديموقراطية يرتبط بالتجربة الأميركية، وهذا يعني أن هذه الدولة العظمى هي في حالة تجدد وتعديل مستمرين، أي أن سياساتها الداخلية والخارجية تتبدل عبر التاريخ.
فالحزبين السياسيين الأساسيين الجمهوري والديمقراطي قد تبدلا جوهرياً عبر الزمن. فبعد التأسيس الأول من قبل الآباء المؤسسين تشكل حزب الفيديو الست وحزب الجمهوري-ديموقراطي ما بين 1792 و1824، ثم تغيرت الأحزاب ليكوّنا الديموقراطي وحزب الويغ، ثم بعد ذلك تشكل الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري على يد الرئيس إبراهام لنكولن عام 1860. واليوم نرى هذا التغيير والنضج السياسي جلياً واضحا من خلال اضمحلال الحزبا لديموقراطي وهزيمته بسبب أفكاره واجنداته المتطرفة التي تعمل ضد الأعراف الإنسانية وعلى رأسها موضوع التحولات الجندرية.
في حين أن الحزب الجمهوري اليوم يشهد ولادة جديدة أرسى أسسها شخص دونالد جي ترامب منذ فترته الرئاسية الأولى 2016- 2020، وعلى رأسها تعزيز أميركا كدولة وقوة عظمى مهما لاح في الأفق حول النظام العالمي الجديد واحتمالية تعدد القطبية. فاليوم نجد أن اختيار القيادات الشابة في المراكز الحساسة للإدارة الجديدة وأولها جي دي فانس كنائب للرئيس وإعداده للرئاسة عام 2028. سيكون لهذا النائب دور غير تقليدي أي أنه سيكون الساعد الأيمن للرئيس ترامب وسيتتلمذ على يد ترامب كقيادي لدولة عظمى.
لنرى الآن بعض الشخصيات الأخرى المنتقاة من قبل الرئيس وهي شخصية ايلون ماسك وهو عرّاب الثورات التكنولوجية عالميا وهذا مؤشر مهم جدا بأن العصر الذهبي التكنولوجي سوف يشهد تطورات متسارعة ليس فقط في الداخل الأميركي بل عالميا برعاية أميركية.بالإ ضافة إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية من خلال برنامج صحافة المواطن والكلمة المفتوحة للأفراد محلياً وعالمياً مما قد يغير سياسات ومؤسسات دول وحتى حكومات إذا ما تم استثمار هذه الثروة البشرية.
أما القيادات الأخرى لوزارة الخارجية ماركو روبيو وهو من أصول كوبية، فيبدو أن هذا الاختيار مقصود، وربما يعني ذلك ان من يعرف الشيوعية ووقف ضدها لن يسمح أن يكون للشيوعية مكان يمس مصالح الولايات المتحدة. فكوبا لها تاريخ صراع منذ الحرب الباردة بين أيديولوجيات الشيوعية والرأسمالية، وإن التأثير الشيوعي يعد خطراً على المصالح الأميركية حول العالم. فمنطقة الشرق الأوسط وتحالفاتها الجيوسياسية مازالت متأرجحة بين الحليف الرأسمالي الغربي متمثلاً بالولايات المتحدة والغرب وبين الحليف الشرقي المتمثل بروسيا والصين بشكل أساسي. لذلك فإن تاريخ وأصول ماركو روبيو كمعادي لمبدأ الشيوعية ومناصراً فاعلاً للرأسمالية هو اختيار موفق لهذه المرحلة. أمّا بالنسبة للإعلامي من وكالة فوكس المرشح بيت هاكسيث والذي كان ضابطا في الجيش الأمريكي ليتولى قيادة وزارة الدفاع المعروفة بجنرالاتها العتاة، فهذا يدل على أن زمن الحروب العقيمة والطويلة الأمد قد انتهى وحل محله فرسان المائدة المستديرة برؤية دفاعية وهجومية إذا لزم الأمر من أجل مبدأ السلام من خلال القوة.
وهكذا الحال أيضا بالنسبة للمرشح لمنصب مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز والذي عرف بمواقفه في الكونغرس الأميركي كعضو منتخب. وهذه المواقف تتضمن خبرته بمخاطر الصين على المصالح الأميركية، ومخاطر المليشيات التابعة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الشرق الأوسط. فكلا من هذه الملفات الجوهرية الأمنية تحتاج إلى معالجات غير تقليدية وممكن أن تتحقق من خلال الطاقات الشابة سياسيا. ومن ناحية الشأن الداخلي نجد أن اختيار ترامب للمرشح روبرت كينيدي جونير لتولي قطاع الصحة العامة وهو قطاع أساسي في الشأن الداخلي ليحدث ثورة صحية من أجل أن يبدأ الشعب الأميركي بمرحلة جديدة من التغذية السليمة وبالتالي قوة الفرد وسلامته يعد استثماراً كبيراً لنجاح التجربة الأميركية وبقائها على المدى البعيد.
لذلك فإن الملفات الخارجية والداخلية للولايات المتحدة ستشهد حلولا جوهرية غير مسبوقة وغير تقليدية. وقد يعتقد البعض على أن خيارات ترامب لإدارته الجديدة قد تواجه تحديات من قبل الكونغرس الأميركي لكن يجب أن ندرك أن الفوز الساحق لترامب شعبيا ووفق المجمع الإنتخابي ينذر بعدم السماح لعرقلة مسيرته الرئاسية، فهو خيار الغالبية العظمى للمواطن الأميركي. ولهذا فالمرحلة الجديدة ورؤية ترامب للعصر الذهبي هي أقرب للواقع وأقرب للتنفيذ مما يتوقعه العالم!
رغد السعدي: مختصة في القانون الدولي لحقوق الانسان وشؤون الشرق الاوسط