الانتخابات الأميركية.. أي المرشحَين أفضل للعالم العربي؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
المغرب – مقال الرأي
الكاتب: أيوب نصر*
إذا كان الناخب الأمريكي ينظر إلى الإنتخابات الرئاسية في بلاده على أنها فرصته لتحسين أوضاعه الاقتصادية ورفع مستوى معيشته وتحقيق من القوانين ما يلبي ميولاته ونزعاته، إذا كان الناخب الأمريكي ينظر إليها من هذه الناحية، فإن العالم العربي ينظر إليها من نواح أخرى، ولهذا تشخص أبصاره نحو الولايات المتحدة كلما حان موعد انتخاباتها الرئاسية، وأخذ في طرح الأسئلة وإعطاء التنبؤات وتقديم التقديرات، حول أي المرشحين أفضل للعالم العربي.
وحقيق بكل عربي أن يذهب إلى طرح هذا السؤال، خاصة أن القوة الأصيلة والوحيدة الممسكة بخطوط المنطقة العربية هي الولايات المتحدة، وقد ظهر ذلك بوضوح في الأحداث الأخيرة من حرب غزة ولبنان، فلم تملك أي قوة عالمية (روسيا والصين) أخرى أن تفعل شيئا غير أن تشاهد من بعيد، رغم أن القوتين المذكورتين يبحثان منذ مدة عن مدخل يلجان منه إلى المنطقة العربية، بل إن روسيا تقدم نموذجا سياسيا جديدا هو الأصلح للعالم العربي منذ دخل عليه الوهن واعتراه الضعف وتفرقت به السبل، وهذا النموذج هو: “النظرية السياسية الرابعة”، ومع كل ذلك لم تجد لا روسيا ولا الصين مكانا لهما في المنطقة يمكنهما من التعاطي مع أحداثها بقوة أكبر وفاعلية أكثر، لتبقى، وإلى حدود اللحظة التي أكتب فيها هذه الأسطر، أمريكا هي اللاعب الأصيل والوحيد في المنطقة.
وإذا كان الأمر على هذا النحو، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية على هذا القدر من القيمة والأهمية بالنسبة للعالم العربي، فهل نكتفي بالنظر فقط في السؤال القائل: أي المرشحين أفضل لنا وأنفع؟؟ أم نتوسع قليلا ونسأل: هل سيتخذ أحدهما قرارات على غير رغبات الدولة العميقة والنخبة القوية؟
وللجواب على هذا السؤال هو: لا، وللتوضيح أكثر والتوسع في إعطاء الحجج وإقامة البراهين، فلن نخرج عن المرشحين الحاليين، دونالد ترامب وكامالا هاريس، سواء بصفة شخصية او في إطار عملهما داخل إدارة تحكم البيت الأبيض.
ونبدأ من القرارات التي إتخذها ترامب في ولايته الأولى، ولوح بايدن ( وإدارته) في حملته الإنتخابية بالتراجع عنها إذا ما وصل إلى المكتب البيضاوي.
فقد انتظر الأوروبيون أن يكون بايدن على طرف النقيض من ترامب، ويضغط على بريطانيا في مسألة خروجها من الإتحاد الأوروبي ولم يتم لهم ذلك، بل ذهب بايدن إلى بناء تحالفات جديدة مع بريطانيا في آسيا، وحاول إحياء تحالف الكواد ليحاصر الصين (التي يرى فيها ترامب العدو الأول)، ولعب من وراء فرنسا في مسألة الغواصات ، وخذل الإسبان والألمان في خلافهما مع المغرب، واللذان كانا ينتظران منه أن يضغط على المغرب ويلجمه، ونفذ عملية الهروب الكيير من أفغانستان، والتي كان ينكرها على ترامب، وخيب آمال من اعتقدوا وأيقنوا أنه سيتراجع عن اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، بل أقر الاعتراف، مما يعني أن الأمور كان مرتبا لها في وجود ترامب أو في غيابه، وأن للرئيس أداة للتنفيذ.
ولنذهب بعيدا، فالكل يقول أن ترامب هو الأشد على إيران، وفي رأيي أن الأكثر نفعا لها كان هو ترامب، وذلك أن انسحابه من الاتفاق النووي، جعلها تسير وتتقدم أكثر في مشروعها النووي، بل إن خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي في عهد ترامب شكل ورقة ضغط على العرب دفعتهم نحو إسرائيل.
لهذا فالنظر للأمور بعيدا عن دور النخبة القوية والدولة العميقة هو ضرب من التقصير المخل والمشوه للصورة الذهنية التي تنتج عن الفكر في السؤال القائل: أي المرشحين أفضل للعالم العربي؟
وحتى الاعتقاد القائل أن وصول الترامب سينهي الحرب الروسية الأوكرانية، هو إعتقاد خاطئء، فترامب نفسه في مناظرته مع بايدن قال: ”لو كان هناك رئيس حقيقي يحترمه بوتين لما بدأت الحرب” وهذه الجملة تسفر عن الكثير، ومن هذا الكثير أن ترامب ليس فقط لن يتخلى عن أوكرانيا ويرفع يد أمريكا عنها، بل إن بوتين لم يكن ليجرؤ لبدء الحرب أصلا، فما بالك لو بدأها؟، وهذه الجملة في أحسن الأحوال هي مغازلة للنخبة القوية ورسالة لها، وبأنه لن يحيد عن توجهها.
إن للنخبة القوية في الولايات المتحدة، دور كبير في السياسة الخارجية للبلاد، سواء من خلال التأثير في الرأي العام الانتخابي، أو من خلال البيروقراطية والتحكم في المفاصل المؤسساتية، ولهذا فإن الرئيس لا يملك هامشا كبيرا للمناورة، بل أحيانا يتم إختياره على حسب قدرته على تنفيذ رؤيتها، ولهذا فلابد من مناقشة الأمر بشكل أكثر إتساعا من الثنائية الجمهورية والديمقراطية.
*كاتب وباحث في الشأن الأوراسي