في شماتة السوريين مما أصاب “حزب الله”
الاستماع للمقال صوتياً
|
إسطنبول – مقال الرأي
عمر كوش
تعرضت ميليشيات “حزب الله” اللبناني إلى عدة ضربات مؤلمة، ومتتالية، خلال الأيام القليلة الماضية، حيث قامت إسرائيل باتباع أسلوب جديد في استهداف عناصره، بدأته باختراق استخباراتها أجهزة “بيجر” كان يحملها عناصره في مختلف المناطق في لبنان وسورية وتفجيرها بشكل متزامن، وفي اليوم التالي، فجرت أجهزة الاتصالات لاسلكية من نوع آخر (ووكي تاكي)، وأجهزة أخرى، الأمر الذي أدى إلى مقتل العشرات من عناصره وإصابة وعطب آلاف الأخرين. ولم تتوقف إسرائيل عند هذا الحدّ، بل وجهت ضربات “أمنية غير المسبوقة”، حيث اغتالت إبراهيم عقيل، القائد العسكري لـ “وحدة الرضوان”، إلى جانب خمسة عشرة عنصراً آخرين من قوات النخبة فيه، ثم اغتالت أمينه العام حسن نصر الله، ومعه معظم قيادات الحزب، وتوالت بعدها عمليات استهداف إسرائيل العسكرية لمواقع الحزب في شتى أنحاء لبنان.
كان طبيعياً ألا يبدي غالبية السوريين، وخاصة المتواجدين في الشمال الغربي واللاجئين في دول الجوار وأوروبا وسواه، أي تعاطف يذكر حيال الضربات المتتالية و”غير المسبوقة” التي تلقها حزب الله، حيث لم يكترث بعضهم بما جرى، فيما لم يخف بعضهم الآخر شماتته لما أصاب هذا الحزب، وراح يُذكر بالجرائم التي ارتكبها بحق من ثار من السوريين على نظام الأسد، وخاصة قادة وعناصر فرقة الرضوان، حيث أعاد ناشطون سوريون نشر مقاطع فيديو على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر وحشية ما قام به أولئك العناصر من حزب الله ضد السوريين، سواء في القصير أم في ريف دمشق أم في حمص وحلب وسواها من المناطق السورية.
لا شك أن مسألة عدم التعاطف مع ضحايا حزب الله مسألة تستلزم الوقوف على أسبابها وحيثياتها، فهي تعبر بداية عن موقف انفعالي، ذلك أن السوريين مثل عامة الناس ضد الشماتة، خاصة حيال الضحايا المدنيين وذويهم، لكن قادة وعناصر حزب الله بالنسبة إلى السوريين ليسوا ضحايا، لأن هذا الحزب يمثل إحدى قوى الاحتلال الأجنبي، التي ما تزال تحتل أرضهم، وقام عناصره بقتل العديد منهم، فضلاً عن المساهمة في تهجيرهم قسرياً وتحويل الملايين منهم إلى لاجئين في دول الشتات. إضافة إلى أن قادة حزب الله وقفوا إلى جانب نظام الأسد الفاشي والدموي في حربه على غالبية السوريين، وتعاملوا مع السوريين بعد ثورتهم عام 2011 وفق منطق طائفي وثأري، ولم يغيروا مواقفهم إلى اليوم، وبالتالي كيف يمكن الوقوف مع هذا الحزب أو التعاطف مع ضحاياه من طرف من كان ينكل بهم، ويحتل أرضهم، وما يزال؟ وهل يمكن لعاقل الطلب من الضحية أن تتضامن مع جلادها؟
قبل الثورة السورية، كان حزب الله يحظى بتقدير عامة السوريين ودعمهم المعنوي، خاصة في ثمانينيات القرن العشرين الماضي، عندما كان يمثل مقاومة سرية في الجنوب اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي، أي حين كان يبدو وكأنه مقاومة بالفعل، قبل أن يكشف عن وجهه الحقيقي، عبر غزو بيروت في 7 مايو/ أيار 2007، وسيطرته على الدولة اللبنانية، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وإعلان حسن نصر الله، أنه يمثل الوكيل الشرعي في لبنان للولي الفقيه القابع في إيران، وبات معروفاً للجميع أن حزبه يمثل الذراع الطولى لمشروع نظام الملالي الإيراني التوسعي في المنطقة.
حين اندلعت حرب تموز/ يونيو عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وقف السوريون إلى جانب الحزب، ورفعوا راياته في عموم ساحات وشوارع المدن والمناطق السورية، واستقبلوا كل من نزح من الجنوب اللبناني، وكان معظمهم من حاضنته الاجتماعية، وقدموا لهم مختلف أنواع العون والمساعدة، لكن المشهد اختلف كثيراً بعد أن اندلعت الثورة السورية في عام 2011، حيث تغيرت مواقف السوريين كثيراً حين صوب هذا الحزب فوهة بنادقه نحو صدورهم، وخاض معارك إلى جانب نظام الاستبداد الأسدي، تحت شعارات طائفية مقيتة.
يتذاكى بعض الكتاب في النظر إلى الشماتة، عبر فصلها عن حيثياتها، وعن كونها موقفاً انفعالياً من طرف ناس هُجروا من أماكن عيشهم، وقتل عناصر حزب الله الآلاف منهم خلال الثلاثة عشرة سنة الماضية، وما يزال ماض فيما دأب عليه. والمفارق في الأمر أنهم يستندون إلى مثالية فاقعة، لا تصلح إلا بالنسبة إليهم، حين يسوقون كلاماً عن الثورة والشماتة والعفل الانتقامي وسوى ذلك، لكنهم لن يتمكنوا من حجب حقيقة أن الإدانة يجب أن توجه للقاتل وللمحتل، أي لنظام الأسد ولحزب الله وروسيا وإيران وإسرائيل، وليس لضحاياهم.