آخر التحديثاتأبرز العناوينثقافات

فيلم “ڨوي ڨوي ڨوي” شباب يسعى إلى الهرب

الاستماع للمقال صوتياً

ثقافات – البيت الأبيض بالعربية

بقلم أحمد المسيري

في  عام 2015 وافقت وزارة الشباب والرياضة على سفر بعثة نادي الإيمان للمعاقين بالقاهرة إلى بولندا للمشاركة في نهائي البطولة الدولية لكرة الجرس والتي أقيمت في الفترة من 16 إلى 20 أبريل، وبعد وصول البعثة إلى بولندا لم تقم بالمشاركة في المباريات النهائية وذلك لأن أفراد البعثة والتي كان عددهم 12 بينهمم 8 لاعبين ومدير فني وإداري ومساعد مدرب ورئيس للبعثة، قاموا بالهرب جميعاً، وأكتُشف أنهم مبصرين، وكشفت التحقيقات لاحقاً تورط بعض المسؤولين في تيسير خروج البعثة مقابل تقاضيهم مبلغ مالي قدره 50 ألف جنيهاً من كل لاعب.

وقد نجح المخرج “عمر هلال” في أول تجربة إخراجية له في الأعمال الدرامية حيث كان “عمر” مخرجاً للإعلانات سابقاً أن يجسد هذه الواقعة ويقدمها للسينما في شكل فيلم درامي، وأستطاع فيلمه أن يحقق نجاحاً سواء على المستوى الفني أو الجماهيري، وفيلم “ڨوي ڨوي ڨوي” من بطولة (محمد فراج، نيللي كريم، حنان يوسف، طه الدسوقي، أمجد الحجار، محمد عبد العظيم، لبنى ونس، وبيومي فؤاد)، وتدور أحداثه حول “حسن” الشاب الفقير الذي يعمل كحارس أمن في أحد المولات ويسعى للهجرة إلى أوروبا للهروب من واقعه الأليم وحياته البائسة على أمل أن تتحسن أوضاعه للأفضل، ويحاول “حسن” استخدام كافة الطرق الغير أخلاقية في سبيل تحقيق هدفه، فيتظاهر بأنه ضرير للإنضمام إلى فريق كرة القدم للمكفوفين للسفر من خلاله إلى أوروبا، وينضم إلى الفريق لاحقاً صديقاه على أمل السفر أيضاً للتخلص من فقرهم ومعاناتهم.

عنوان مثير للفضول

اختار مخرج العمل عنوان “ڨوي ڨوي ڨوي” وهو مصطلح يعني أنا قادم باللغة الأسبانية، ويتم استخدامه في لعبة كرة الجرس حتى لا يصطدم اللاعب الكفيف بزميله، ولكن يحمل هذا العنوان في طياته العديد من الدلالات، فاللعبة الأساسية في الفيلم ليست كرة الجرس ولكنها لعبة الاحتيال التي يمارسها بطل العمل والذي يكتشف فيما بعد أنه ليس اللاعب الوحيد في هذه اللعبة، فالجميع يمارس نفس لعبة الكذب والخداع والاحتيال إما للهروب من الوطن أو لتحقيق مصالح شخصية دون أي اعتبار للمباديء والقيم الإنسانية، فكل منهم لديه مبرر لأفعاله اللاأخلاقية، وقد لخص المخرج ومؤلف العمل “عمر هلال” هذه المبررات في جملتين أحدهما  (جملة أنا أخدت ايه علشان أدي حاجة)، والتي أتت على لسان البطل عندما كان يتحدث مع الصحفية التي وقع في حبها، وجملة (كلنا بنقلب رزقنا علشان نعيش) والتي أتت على لسان طبيب الفريق.

واقع مأساوي في قالب كوميدي 

لم يعرض العمل قصة الشاب “حسن” فقط ولكنه جعل عالمه يتقاطع مع عوالم مجموعة من الأفراد الآخرين مما خلق قصص موازية لقصة البطل، ورغم أن لكل منهم مشكلاته الخاصة ولكنهم يتشاركون في نفس المعاناة والتي تتمحور حول الفقر والتهميش وضيق الأحوال المعيشية التي جعلتهم يشعرون بالقهر والعجز وقلة الحيلة، وقد عبر المخرج عن ذلك من خلال خلق عالم درامي قاتم خالي من الجماليات، تتجلى مظاهره في اللونيات التي استخدمها المخرج والتي تميل إلى اللون الباهت، بالإضافة إلى المنازل الفقيرة بغرفها الضيقة التي تجعلنا نشعر بالاختناق، وأيضاً لم يخلو العمل من الإسقاطات والرمزيات مثل اللقطة التي بها ثلاثة كلاب ضالة والتي يليها مشهد “حسن” وصديقيه أثناء لعب الكرة في مكان عشوائي، في دلالة على أن حياتهم لا تختلف كثيراً عن حياة هذه الكلاب الضالة، وأيضاً في المشهد الخاص بمقابلتهم مع طبيب الفريق الفاسد والذي جسد دوره بإحترافية وإتقان الفنان “محمد عبد العظيم” حيث كانت المقابلة في حديقة الحيوان أمام جبلاية القرود وأتى هذا المشهد بعد التطور السلبي للشخصيات ولجوئها بجانب التلاعب إلى السرقة والإبتزاز، فهم كانوا مثل الكلاب الضالة في السابق والأن أصبحوا مثل القرود التي تجيد التلاعب.

وقد عبر المخرج عن الطبيعة المركبة والتي تحمل الكثير من الإزدواجية وتتسم بها فئة غير قليلة من البشر في مجتمعنا العربي من خلال المشهد الذي يلتقي فيه البطل وصديقاه مع كابتن الفريق “عادل” والذي جسد شخصيته الفنان “بيومي فؤاد” وهم يرتدون جميعاً جلباباً ناصعة البياض استعداداً لصلاة العيد وفي نفس الوقت يخططون لسرقة صاحب المطعم الذي يعمل به صديقهم “سعيد” كعامل دليفري والذي جسد دوره الفنان “طه الدسوقي”، ومن جهة آخرى يظهر “الحج طارق” صاحب مطعم المشويات والذي جسد دوره الفنان “حجاج عبد العظيم” على أنه شخص مادي ومتحرش رغم لومه لأحد العاملين لديه على معاكستة لزميلته في العمل.

لم يغفل العمل عن الإشارة إلى توفر الفرص الجيدة للتافهين ومنعدمي الموهبة ويتضح ذلك من خلال صديق كابتن “عادل” الذي أصبح مدرب لنادي رياضي كبير رغم افتقاره للموهبة، وأيضاً البلوجر الشهيرة الثرية والتي تقدم محتوى تافه وغير واقعي ولكنه كان سبب في شهرتها وثرائها لأن الناس تحب التفاهة مثلما ذكر رئيس تحرير الصحيفة التي تعمل بها الصحفية “إنجي” والتي جسدت دورها الفنانة “نيللي كريم”، ورغم نجاح المخرج في تقديم هذا من خلال قالب من الBlack Comedy  مع الإعتماد على كوميديا الموقف وليدة الواقع المأساوي وبعيداً عن كوميديا الإيفهات، إلا أنه لجأ في بعض المشاهد إلى الصدف والتي قد تضعف من الحبكة الدرامية، ويتضح هذا في الصدفة التي أكتشف فيها صديق حسن “سعيد” أن حبيبته تعمل في الدعارة أثناء توصيلة أوردر لأحد العملاء، أيضاً الصدفة التي جمعت بين كابتن “عادل” و“حسن” في صالة السينما أثناء مشاهدتهم فيلم سينمائي والتي أثارت شكوك كابتن الفريق حول “حسن” وإدعائه العمى، وعلى الجانب الآخر ورغم براعة الفنانة “نيللي كريم” في أداء دورها ولكن أتى الخط الدرامي الخاص بها وكأنه غير مكتمل، وفي بعض الأحيان نشعر وكأن شخصية  الصحفية “إنجي” كانت تحتاج إلى إهتمام أكثر في المعالجة الدرامية خاصة في البعد النفسي، وتاريخ الشخصية وتطورها خلال الأحداث.

طرح غير تقليدي لقضية الهجرة 

يعتبر ملف الهجرة من الملفات الأكثر تعقيداً، سواء هجرة الكفائات والباحثين في العلوم الطبيعية أو الاجتماعية، أو الهجرة الغير منظمة والتي تعد الأكثر خطورة والتي يهرب فيها المهاجرون من مختلف الأعمار من الفقر ليلقوا بأنفسهم للمجهول، وقد ألقت السينما المصرية الضوء على ظاهرة الهجرة خاصة من خلال الأفلام التي عرضت فكرة الحلم الأمريكي والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 2017 قام المخرج “خالد دياب” بتقديم فيلم “طلق صناعي” والذي طرح من خلاله بعض الحيل والإدعاءات التي يلجأ إليها بعض الشباب المصري للحصول على تأشيرة الولايات المتحدة الأمريكية،  فمنهم من يتظاهر بأنه لديه ميول جنسية مثلية، ومنهم من يدعي بأنه يعاني من إضطراب الهوية الجندرية، وآخر يزعم أنه غير عقيدته من الإسلام إلى المسيحية لإثبات معاناتهم من الإضطهاد، أما فيلم “ڨوي ڨوي ڨوي”  فقد نجح في كسر القوالب الدرامية النمطية بداية من قصته المبنية على أحداث واقعية فاقت الخيال، مروراً بأسمه، وصولاً لخلق الشخصيات الدرامية المركبة والبعيدة تمام البعد عن الشخصيات المثالية، والتي جعلت المشاهد يتوحد مع العمل ويعلم أن ڨوي ڨوي ڨوي ليست مجرد لعبة الخداع التي يلعبها الأبطال داخل الفيلم للهروب إلى أوروبا فقط، ولكنها رمزية للعديد من الشباب الذي يقول أنا قادم إلى بلاد الغرب من أجل الهروب من شبح الفقر وسعياً لحياه أفضل.

 

أحمد المسيري

باحث في علم الإجتماع السياسي والرأي العام ،والإعلام، كاتب وناقد سينمائي حاصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، الجنسية مصري
زر الذهاب إلى الأعلى