تحركات الميليشيات العراقية في ظل معطيات غزّة والعلاقات مع واشنطن
الاستماع للمقال صوتياً
|
العراق – مقال الرأي
*حيدر الموسوي
في ظل الحرب الإسرائيلية على غزّة التي بدأت بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، تبرز العديد من القوى التي تعمل على استهداف مصالح الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في المنطقة، مثل ميليشيا أنصار الله الحوثي المدعومة إيرانياً في اليمن، والتي تسببت بكم كبير من الخسائر في البحر الأحمر، وميليشيا حزب الله التي فتحت جبهة في الجنوب اللبناني، لكن في هذا الوقت، يخفت نشاط الميليشيات العراقية التي كانت تقول إن سبب وجودها وتشكيلها الرئيسي هو للدفاع عن القضية الفلسطينية ومواجهة التمدد الإسرائيلي، لكن يبدو ان هذا السبب فضفاض إلى حد كبير.
الفكرة السائدة عن سبب تشكيل هذه الميليشيات خاطئة، فهي لم تشكل بدافع عقائدي حقيقي، بل تم اتخاذه كذريعة للتأسيس والتفاوض حول المكتسبات والتمثيل الحكومي، لذا فهي لن تكترث بما يحصل في غزّة ما لم يؤثر على مصالحها، وفي الحين الذي تتعطل فيه مصالحها بسبب أزمة غزّة ستكون بجهوزية تامة للتحرك، فما ذكرته المخابرات الأميركية في بيانها كان دقيقاً، حيث قالت إن: “الحوثيون والميليشيات التي تدعمها إيران بالعراق وسوريا يستخدمون حرب غزة لأجل أهدافهم”.
يجب أن يكون الأمر واضحاً وهو أن هذه الميليشيات تعمل على مبدأ المتغيرات السياسية في العراق فقط، وكل تدخلاتها في الخارج تعتمد على المصالح التي ستجنيها منها لتعزيز نفوذها في العراق، وليس لها مصلحة ولا تتخذ من سوريا وغزة قضية لها.
الميليشيات غير النشطة في الوقت الحالي، هي تلك التي أخذت غنيمتها عند تشكيل الحكومة العراقية، كعصائب أهل الحق وفيلق بدر وحزب الله العراقي، وتحاول الاستفادة من حكومة محمد شياع السوداني التي يقودها الإطار التنسيقي الموالي لإيران، للحصول على مساحات تمكنها من إدامة نشاطاتها العسكرية وتعزيز ميزانياتها المادية التي تمكنها من إنشاء ثكنات عسكرية وتعزيز معداتها، تحسباً لتحرك طارئ لما يسمى بـ”المقاومة الإسلامية في العراق”، أو لتسليح نفسها تحسباً لضربات متوقعة على مقراتها، أو على الأقل توسيع نطاق انتشارها، للسيطرة على مزيد من المنافذ الحدودية مع إيران وسوريا وحتى الأردن، حيث تتم هناك عمليات تهريب السلاح والكبتاغون.
من جانب آخر، هذا السلوك هو ما يعزز العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والعراق، ويجعلها لا تشكل خطراً على هذه العلاقات في الوقت الحالي، إذ أنها لم تتحرك بعد إعلان الشراكة العراقية-الأميركية المستدامة التي أعقبت زيارة السوداني إلى واشنطن، وبدت موافقة على هذه الشراكة.
الميليشيات مهتمة بتقاسم الغنيمة الأكبر، وهي تشكيل الحكومات المحلية في المحافظات بعد الانتخابات الأخيرة، وهذا ما يعزز من قوتها، ومن جانب آخر لديها تخوفات كبيرة من استهداف قادتها، لكن يبدو أن حركة النجباء، وزعيمها أكرم الكعبي، هي الميليشيا الوحيدة في الوقت الحالي التي لا تزال تقوم بعملياتها وضغطها على الحكومة العراقية للحصول على ما تعتبره “حقها” في الحكومة العراقية، أو ضمانات بعدم التعرض إلى قواتها ورجالها خصوصاً بعد اغتيال القيادي أبو تقوى بضربة أميركية في يناير الماضي، وكانت قد أبلغت القادة السياسيين بأنها ستستمر في الضربات حتى وإن لم يرضوا بهذا، إلى حين الحصول على ضمانات.
كما أن الاعتداءات الأخيرة على سلسلة من المطاعم التي تحمل علامات تجارية أميركية، يبدو أنها من فعل أذرع للنجباء أو الميليشيات المصغرة التي لم تأخذ مكاسباً، إذ ان معظم قادة الميليشيات الكبيرة يرون أن هذه الأفعال غير مرضية وفندوا مسؤوليتهم عن الاعتداءات، وهذا ما يعبر عنه مدونون وصحفيون يتبعون لهذه القوى، وبالمقابل فإن زعيم النجباء الكعبي، يرى بأن قادة الميليشيات “عملاء” وهذا تفسير لخطابه المتشدد الذي غالبا ما يصدر بعد كل لقاء للقادة مع السفيرة الأميركية في العراق الينا رومانوسكي، وهنا يمكن القول بأن هذه الاعتداءات هدفها وضع الحكومة العراقية بحرج أمام واشنطن، وأمام الجهات الأجنبية التي تريد استثمار أموالها في العراق، كون الاعتداءات تهدف إلى إيصال رسالة مفادها أن العراق غير آمن وليس مناسباً للاستثمارات الأجنبية، وهذا لا يرضي بغداد وواشنطن.
يمكن استنتاج أن هناك فريقين من الميليشيات، الأول أوقف من نشاطاته ولا يمانع التواصل مع واشنطن بعد أن أخذ مراده، والثاني الذي لا يزال نشطاً ويطالب بغنيمته، التي سيستمر من أجلها بإحراج بغداد وقادة الفصائل، ويشكل تهديداً على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.