الرئيس العائد بربطة عنقه الحمراء
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن – رسالة المحرر
مرح البقاعي
تتقاطع محاكمات الرئيس الأسبق دونالد ترامب مع تباشير الحملة الانتخابية التي يديرها – مبدئياً – بانتظار أن تصبح رسمية فور تصويت الحزب الجمهوري على ترشيحه لخوص منافسة الرئاسة للعام 2024، ولفترة رئاسية ثانية وأخيرة وفقا للدستور الأميركي. فهل سيفوز ترامب من جديد؟ وهل الشريحة الاجتماعية التي انتخبته للمرة الأولى هي نفسها من ستنتخبه للمرة الثانية، أم أنها توسعت لتشمل المزيد من الطبقات الاجتماعية المغايرة؟ والسؤال الأكبر، من هو دونالد ترامب وكيف يمكن أن نقرأه بشكل موضوعي خارج دائرة مناصريه أو مناوئيه؟ وما هي البصمات التي تركها على مؤسسات الإعلام الضخمة وعجلة الاقتصاد الأميركي ومشهد السياسة الداخلية والخارجية في آن؟
ترامب وخلال فترة رئاسته الولايات المتحدة بين الأعوام 2016-2020 ناصب العداء لوسائل الإعلام الأميركية الوطنية والخاصة، وكذا للمجتمع الفني في هوليود، لتبنيهم خطاب اليسار وسياسة الديمقراطيين الذين كانوا لا يزالون تحت تأثير صدمة نجاحه في الانتخابات الرئاسية أمام مرشحتهم هيلاري كلينتون.
والمعروف عن ترامب توصيفه لهذه الوسائل الإعلامية الكبرى، مثل “سي.أن.أن” و”سي.بي.سي” و”أن.بي.سي”، ولصحف عريقة مثل “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز”، أنها مجرد وسائل تروّج لـ ”أخبار زائفة”، وبناء على هذا الاعتقاد، لجأ منذ بداية عهده إلى إعلان قراراته وتصريحاته عبر التغريد على حسابه الخاص في تويتر (قبل أن تغلق إدارة تويتر حسابه الذي كان يتابعه 32 مليون متابع)، مكتفيا بالظهور التلفزيوني من وقت لآخر على قناة “فوكس نيوز” ذات الميول اليمينية.
وقد كانت تغريدات الرئيس كفيلة – لأول مرة في التاريخ الرئاسي الأميركي – بتغيير الوسيلة التي يتخاطب بها الرئيس مع شعبه وإدارته والعالم. وأمست الكرة الأرضية في حينها تتحفز كل صباح لقراءة تغريداته وما قد تحمله من مفاجآت لأميركا، وللأميركيين، ولشعوب العالم أيضا، وخاصة في المناطق التي تتداخل فيها الولايات المتحدة عسكريا أو سياسيا، أو تكون مؤثرة وذات نفوذ. وحدث انزياح ملحوظ في تلقي الخبر الرئاسي من القنوات التلفزيونية والجرائد اليومية، نحو المصدر المباشر المتمثل في ما ينشره الرئيس بنفسه من تغريدات على حسابه في تويتر (قبل أن يشتريه إيلون ماسك ويصبح اسمه X).
على مدار العامين الأولين من توليه منصبه، قام ترامب بحزمة من التغييرات العميقة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ وقد بدأت تلك السلسلة المتلاحقة من التغييرات، والتي كان خصومه السياسيون يطلقون عليها شتى النعوت من المتهورة إلى المتسرعة وحتى الخرقاء، بدأت بانسحاب واشنطن من اتفاق باريس للمناخ، ثم بفرض حظر التأشيرات على بعض الدول للدخول إلى أميركا، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران لدول 5+1، والاجتماع مع كيم جون أون زعيم كوريا الشمالية حيث قاما معا بقطع الحدود بين الكوريتين سيرا على الأقدام، وأخيرا إرسال بوارجه إلى الخليج العربي ومنطقة باب المندب ومضيق هرمز في تهديد مباشر لإيران بضربة عسكرية كان يمكن أن تحدث في أيّة لحظة ما لم ترتدع طهران عن المضي في برنامجها النووي ذي الأغراض العسكرية المبيّتة.
كثيرا ما كان ترامب يُستقبل في جولاته الدولية بالمظاهرات الشعبية الواسعة، استنكارا لنهجه السياسي المستغرب والمغاير لما عهده العالم عن السياسات الأميركية الرصينة على مدار عقود. أما الإعلام الأميركي والدولي فلم يكن يرى فيه غير الرجل الفوضوي المتعجرف والشعبوي غير المثقف واليميني العنصري المنحاز لصالح الرجل الأبيض.
وفي حين ما فتئ الناقدون والخصوم يركزون على العيوب التي تعتري شخصية الرئيس الأسبق وجنوحه الفوضوي إلى الإعلان عن سياساته في بضع كلمات تسمح بها تغريدة على تويتر، إلا أن القليلين عكفوا على دراسة جوهر سياسته الخارجية بشكل موضوعي تحليلي. هؤلاء القلّة يعتقدون بقوة أن سياساته الخارجية أفضل بكثير مما يصفها خصومه.
في واقع الأمر لا يُظهر منتقدو سياسات ترامب أي تعاطف معه، أو محاولة صادقة لفهم طبيعة التحدّيات التي واجهها في التعامل مع النظام العالمي المتدهور الذي ورثه. فالصين تتموضع كقوة عظمى بطرق غير مريحة، وأوروبا تنسحب للمرة الأولى منذ خمسة قرون من دورها القيادي في الشؤون العالمية، أما التكنولوجيا فقد تعاظمت إلى أن أصبحت في مرحلة ما من الصعوبة إدارتها واحتواؤها.
في حقيقة الأمر، يمكننا الجزم أن لا رئيس في التاريخ الأميركي المعاصر حدث وأن تعرّض إلى هذا الحجم من المناكفة والعرقلة من قبل خصومه في الضفة الأخرى، وهي الضفة الديمقراطية في حالته، كما تعرّض ترامب. فمسيرته في البيت الأبيض كانت عبارة عن تعطيل متواصل نسج خيوطه الديمقراطيون، وصل إلى حد البحث بإصرار ودون ملل عن أي مسوّغ قانوني أو دستوري لعزله من منصبه وإبعاده عن البيت الأبيض. ووصل هذا الكيد السياسي المبرم إلى حد التشكيك في قدراته الصحية والعقلية وأهليته لقيادة الدولة، بحيث غدا همّ الديمقراطيين الدائم والخط الراسم لهم ولطبقة من الجمهوريين النخبة، تقويض أيّ مبادرة قام بها أو أي قرار اتخذه.
إلا أن الحالة الاقتصادية المزدهرة في الولايات المتحدة في عهد ترامب ووفرة الفرص موازاة مع انخفاض معدّل البطالة إلى مستوى قياسي لم يشهده الأميركيون منذ خمسين عاما، ستشكل من جديد أهم العوامل التي ستتحكم بمن سيفوز في انتخابات العام 2024. فشعار “أميركا أولا” الذي جاء به ترامب في انتخابات 2016، لم يكن يقصد به عزل أميركا عن العالم، أو شق الصف الوطني، أو إحياء المحرضات العنصرية، بل إن ترامب أدرك بحسّ رجل المال والأعمال أن منظومة العولمة التي فشلت بامتياز لأنها جاءت دون أن تترافق بعولمة اجتماعية ثقافية ممهِدة، وأن التعافي من الانحسار العولمي لا يتم إلا بالعودة إلى المساحة الوطنية في حدودها الجغرافية مع الاستمرار في العلاقات الدولية المقننة بما يتناسب مع تحديات العصر الرقمي وزمن الذكاء الاصطناعي.
كان ترامب قادرا على التضحية بشعبيته لحساب تحقيق المصالح الوطنية العليا. فقد قبل المواجهة وخسارة السمعة في غير موقع من القرارات الني اتخذها مقابل تمسّكه بفكرة “أن نجعل أميركا عظيمة مجدّدا” وهو الشعار نفسه الذي يرتفع في حملته للعام 2024 ونفرأه على قبعته الحمراء وقبعات مناصرية (MAGA). وإذا كان هذا الشعار قد حفّز طبقة اجتماعية شعبية لا تنتمي إلى النخبة، للتصويت له في العام 2016، فإن انتخابات 2024 ستشهد بالتأكيد انضمام شرائح اجتماعية وعمرية جديدة، ولاسيما في طبقة الشباب التي بدأت تضيق ذرعا بسياسات منافسه الرئيس الحالي جو بايدن، وقد هددوا بتغيير موقفهم من الحزب الديمقراطي والتصويت للمنافس الجمهوري ترامب بما قد يفاجئ الأميركيين أنفسهم من جديد، ويفاجئ العالم.
وأخيرا، وليس آخراً في سجل ترامب العائد بقوة إلى الضوء، ورغم ما يثار من موقفه من النساء والمهاجرين من أصحاب البشرة الملونة، فإن العنصرية التي يُتّهم بها قد تكون بعيدة إلى حدّ ما عن خياراته العائلية الخاصة على الأقل. فالرجل تزوّج مرتين من سيدتين أجنبيتين وأنجب أولاده منهما، وكلتاهما تتحدثان الإنكليزية بلكنة ثقيلة ملحوظة وليس بلهجة أميركية صرفة، وهذا يحسب له، ويبعد عنه قليلا وزر تلك التهم التي تتناقض مع القيم الأخلاقية والسياسية والدستورية الأميركية، وهي ممقوتة تماما، وتعتبر هنا من الكبائر.
شكرا لك ، المهم بالنسبة لنا هو قضايا المنطقة، هل يوجد عند ترامب رؤى محددة لقضايا الشرق الأوسط حاليا ، او بالأحرى هل صرح بشيء اتجاه إسرائيل، فلسطين ، سوريا ، السودان ، و إيران حتما ايضا …هل هناك اتجاهات معينة له حيال هذه الملفات الساخنة ؟
شكرا لك سيدة فرح