آخر التحديثاتمقال الرأي

سوريا التي لا يشملها الدعاء

الاستماع للمقال صوتياً

واشنطن – مقال الرأي

بقلم نشمي عربي

كنت أحاول دائماً أن أكتب بفعل العقل، لا بفعل العاطفة.
أسمح لنفسي اليوم أن أخرج عن هذه القاعدة، ولقلمي أن يستسلم لمشاعري وعواطفي، يشفع لي صدقها.
لست ممن يستعرضون قناعاتهم الدينية والروحية، ولم ولن أُقَيِّم أحداً من الناس يوماً تبعاً لتلك القناعات والأهواء،
وكنت ولازلت أعتقد أن علاقة المخلوق بالخالق هي أسمى وأرقى من أن تكون مادة للكتابة والأحاديث، هي علاقة علوية فريدة، روحية وفكرية في آن،
تقوم على الحب والقناعةِ معاً،
ومكانها العقل والقلب معاً.
لست أيضاً ممن يُغَلِّبون الهوى على العمل،
أو من يقولون بأن الأصل في الدين هو المعاملة، ويقولون بفضل التعاملات على العبادات،
وفي الوقت الذي لا أنكر فيه على الناس قناعاتهم،
إلا أنني لا ألزم نفسي بها،
وألتزم فقط بما أنا مقتنع به،
وهو أن الأصل في الدين العقيدة،
ولكنها تقوم على أساسي التعاملات والعبادات معاً، لايغني أحدهما عن الآخر،
ومن هنا فإنني أرى في الشهر الكريم فرصة لاستدراك ما فات، خصوصاً في العشر الأواخر منه،
فأحاول جاهداً التزام الجمع والجماعات،
والتراويح والقيام،
ما استطعت لذلك سبيلاً.
ولأن الشهر الكريم حلَّ وأهلنا في غزة وفلسطين يعيشون محنةً غير مسبوقة،
كان طبيعياً أن تلهج ألسنة خطباء الجمع وأدعية صلاوات التراويح والقيام بالدعاء لأهلنا الصابرين المصابرين، في غزة وفلسطين،
وكنت دوماً أُؤَمِّنُ خلف الداعي،
ولم أسمح لنفسي الأمارة بالسوء يوماً أن تتساءل:
لماذا لايدعون أيضاً لسوريا؟
وللسوريين؟
كل السوريين؟
ألا يمرون هم أيضاً (جميعاً ومن كل الأطراف) بمحنة ومقتلة لم تتوقف لما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً؟
ألا يعيش العديد من السوريين اليوم في مخيمات اللجوء والتشرد؟
ألم تتوقف كل برامج المساعدات والمنح الإنسانية التي كانت تقيم أصلابهم، وصاروا هم أيضاً فريسة الجوع والعري والبرد؟
وهؤلاء الذين بقوا في الداخل السوري، ومن كل الأطراف، ألا يعيش السواد الأعظم منهم اليوم على مساعدات ضئيلة ومتواضعة يبعث بها لهم (المحظوظون) منهم الذين تمكنوا من اللجوء لدول الغرب؟ يقتطعونها غالباً من القليل القليل الذي يدخرونه من قوتهم الشحيح؟
كنت دائماً أُؤَمِّنُ خلف (حضرات الأئمة) والدعاة في دعاءهم لغزة ولفلسطين، ولم أسأل نفسي يوماً لماذا لايدعون أيضاً لشعبي الجريح المنكوب بالفرج؟
ولكن ذلك اليوم تَغَيَّر،
لم أُغَيُّرُهُ أنا،
بل غَيَّرَهُ البيان الوقح ل (كتائب عز الدين القسام) الذي نَشَرَتَهُ اليوم، ونعت فيه “محمد رضا زاهدي” وإخوانه ..!!! والذين حسب بيان القسام (قضوا شهداء على طريق القدس) …!!! لم أكن أعلم أن طريق القدس تمر من أوتوستراد المزة ..!! فاعذروني ..!!
واعذروني إذا غَلَّبتُ جراح أهلي وشعبي وبلدي فوق كل جراح،
واعذروني إذا كنت أرى في كل يد تلطخت بدم أي سوري، ومن كل الأطراف، يد قاتلٍ مأجور، يتستر خلف قضية فلسطين التي كانت ومازالت وستبقى مقدسةً لدى كل السوريين، ربما قبل الفلسطينيين أنفسهم.

عندما تحدثت في مقال سابق عن دور إيران فيما يجري في غزة، انطلقت ماكينات الردح التي لا تتقن غيره، لتستنكر ماجاء في مقالي، وهاهو بيان (القسام) نفسه اليوم، يتحدث عن (الشهيد أبو مهدي !!!) وبالحرف الواحد (ودوره البارز في معركة طوفان الأقصى) …!!!!

هل هي مصادفة أن من نعوا قاتل أطفال سوريا “سليماني” بالأمس وسموه شهيد القدس، هم نفسهم من ينعون “زاهدي” اليوم ويجعلون منه شهيداً على طريق القدس التي حيرونا من أين تمر؟
من عمان أم من جونية أم من القصير والزبداني؟ وقد رست مزاداتهم اليوم على أوتوستراد المزة ليكون هو طريق القدس؟

لماذا يجب على السوري أن يموت على طريق الأقصى، على يد من دنسوا المسجد الأموي جهاراً نهاراً على رؤوس الأشهاد ونشروا مقاطع فيديو يفاخرون فيها بذلك، لاتزال موجودة حتى هذه اللحظة على (يوتيوب) تتحدى بشكل صارخ الوجدان والضمير السوريين؟

لماذا هذا الاحتفاء بإيران وأذرعتها في الوقت الذي صارت مرفوضةً فيه وبشكل واضح حتى من الأطراف المحيطة بالنظام؟ وفي مقدمتها العلويون؟

نحن نؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، وشببنا وشبنا على تضحيات شعبنا من أجلها وفي سبيلها، لماذا لاتحترمون أنتم تضحيات السوريين وعدالة قضيتهم؟

نحن لانطلب منكم دعمنا، ولكن توقفوا عن تمجيد قتلتنا، توقفوا عن تمجيد من لم يتوانوا لحظة واحدة عن إذلال أي سوري، معارضاً كان أم موالياً، حتى ضباط جيش النظام السوري لم يسلموا من حوادث عديدة لإذلال متعمد على أيدي إيران وميليشياتها في سوريا.

نعم وقفت إيران بكل قواها ضد الشعب السوري، ولكن ليس دفاعاً عن النظام، بل دفاعاً عن نفسها وعن لعبة الابتزاز الإقليمي التي تمارسها.

أدعو كل فلسطيني شريف وكل عربي منصف، وكل سوري، معارضاً كان أم موالياً، بل وأدعو العاقلين في النظام ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، أن يقرأوا بيان (كتائب القسام) الذي أجزم أن الشهيد “عز الدين القسام” لو كان قرأه، لما غادر بلده (جبلة أدهم) ليقاتل ويستشهد على ثرى فلسطين الطاهر.

لن أحرم نفسي أجر صلاة القيام في المسجد،
ولكنني لن أُؤَمِّنَ خلف داعٍ لايدعو لسوريا وشعبها،
ولن أوتر خلفه،
سأعود لأوتر في بيتي،
وأدعوا دعاء القنوت في بيتي،
دعاءً يبدأ بسوريا والسوريين،
لا يستثني سورياً واحداً،
مهما كان دينه أو مذهبه،
مهما كان عرقه أو لونه،
ومهما كان موقفه السياسي،
يكفيني أنه لم تتلطخ يده بدم سوريٍ آخر،
وفي آخر دعائي سأدعو لفلسطين الجريحة،
ولشعبها الصابر المصابر،
أن يقيهم الله شر جبروت من عاداهم،
وفتنة من يدعي دعم قضيتهم،
إنه سميع مجيب.

رمضان كريم.

نشمي عربي

كاتب سياسي سوري أميركي
زر الذهاب إلى الأعلى