للمال والاستيطان في إسرائيل وزارة واحدة
الاستماع للمقال صوتياً
|
مونتريال – مقال الرأي
بقلم بسام أبوطوق
وزير المالية في إسرائيل هو أيضا وزير للاستيطان. لأن المال العام في عرف الدولة الإسرائيلية يجب أن يسخّر لصالح قضم الأراضي الفلسطينية وهضمها وتوفير أفضل الشروط لاستمرار الاستيطان الصهيوني في هذه الأراضي، وتوسعته وتعميمه بدأب ومثابرة حتى يعم كافة الأراضي الفلسطينية ويهجّر سكانها الأصليين خارج مناطقهم حيث تتحول الوقائع الى ما يتجاوز أحلام أنبياء الصهيونية الأوائل أمثال هرتزل وبن غوريون وجابوتنسكي.
وزير المالية الحالي – والاستيطان – بتسلئيل سموتريش عضو الكنيست عن حزب الصهيونية اليهودية، وهذا الحزب هو أحدث إصدارات الفقاعات السامة التي يقذفها مستنقع اليمين الإرهابي المتطرف، داكن الحقد والسواد، مختمر العفن والسموم. وعذرا لهذه اللغة القاسية، ولكن الواقع أقسى!
وزير المالية هذا هو من أكثر المؤيدين للعدوان الشامل على قطاع غزة ويدعو لامتدادها إلى الضفة الغربية وهو يدعو لدولة تخضع للقوانين الدينية اليهودية وتشمل كل فلسطين، وله مواقف وتعليقات غير مدروسة إلى درجة أن أحد معاونيه قال عنه أن (هنالك نقصاً في التنسيق بين دماغه وفمه)!
أمثال هؤلاء المهرجين يخرجهم الحاوي نتنياهو من قبعته أمام جمهور من المتطرفين المهووسين فيطربون ويصفقون، ولكن وراء كواليس هذه الكرنفالات برامج وخطط واهداف تعمل عليها وبشكل حثيث إدارة تكنوقراطية مؤسساتية مافوية لا تشغلها سفاسف السياسة والانتخابات وتغيير الحكومات.
بتسلئيل سموتريتش هذا يعلن عن ضم 8000 دونم كأراضي دولة (لدولة إسرائيل) في وادي الأردن بالضفة الغربية المحتلة، وحسب بيان حركة السلام الآن، فإن هذه أكبر عملية استيلاء على الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات أوسلو 1993.
وحسب تقرير الاستيطان الإسرائيلي الأسبوعي الذي أعدته مديحة الأعرج عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض والمقاومة، فإن سموتريتش وفي إطار سعيه لتوفير أفضل الشروط لتلبية مصالح المستوطنين بشكل عام والمتطرفين الإرهابيين منهم بشكل خاص، يسعى إلى تعيين هليل روت من مستوطنة يتسهار معقل منظمات الإرهاب الصهيوني في منصب نائب رئيس الادارة المدنية للاحتلال في الضفة الغربية، وينقل إليه صلاحيات منع إنفاذ القانون على البناء غير المرخص في المستوطنات والبؤر الاستيطانية العشوائية بهدف منع هدمها. وهو بذلك يحول هذه الصلاحيات الى مرسوم وليس تشريع في الكنيست. وبالمناسبة فهذا السموتريش نفسه قد أقام منزله غير المرخص على أرض فلسطينية بملكية خاصة حسب ما أفادت صحيفة هآرتس وأكدتها قناة 12 الإسرائيلية.
هذا لايعني ان الكنيست مجمع ملائكة، ولكن سموتريش يدرك وجود مصاعب سياسية وقانونية، تتعلق بكون مثل هذه الصلاحيات وما يترتب عليها من نتائج تمثل انتهاكاً للقانون الدولي، لأن خطوة كهذه ستؤدي إلى نقل صلاحيات تتعلق بمنطقة تحت الاحتلال إلى جهة حكومية مدنية، خلافًا للوضع الحالي حيث الصلاحيات بأيدي الجيش الذي تدعي إسرائيل أنه مقبول من المجتمع الدولي.
لكن الحقائق لا ترحم، وخاصة عندما يسندها تغير واضح المعالم في الرأي العام العالمي، تكشفه المظاهرات والاحتجاجات التي بدأت خجولة مترددة وتتحول الآن الى تيار بشري جارف في كل المدن العالمية المؤثرة في أمريكا وبريطانيا وأوروبا.
فغربال الدعاية الصهيونية السميك بدأت تتوسع ثقوبه وتخترقه شمس الحقيقة بأشعتها، فيما يساهم تعنت نتنياهو حكومته اليمينية المتطرفة وعدوانه الجارف المفرط القوة على الشعب الفلسطيني في غزة وإصراره على ربط حماس بعموم السكان الفلسطينين فما يحصل ليس عملية عسكرية لتحرير رهائن إسرائيليين، بل قتل وتدمير وتهجير، وفناء، والعداد مستمر ومفتوح. وهذه الحقائق الدامغة أعادت فتح الملف الفلسطيني من البداية بعدما كان قد ضاع وتوزع بين القبائل. وعادت مروحة الحلول من دولة واحدة ديمقراطية لكلا الشعبين إلى حل الدولتين.
كل أساطير الصهيونية القديمة والحديثة منذ دافيد الشاب اليهودي الجميل الأعزل إلا من مقلاع وحجر في مواجهة غوليات العملاق الفلسطيني المدجج بالسلاح والدروع، إلى قلعة ماسادا والنخبة اليهودية الشجاعة التي فضلت الانتحار على الاستسلام، إلى استثمار مأساة المحرقة النازية ليهود المانيا واوروبا الوسطى، الى الادعاء على لسان حكام العرب في الخمسينيات من القرن الماضي بأن بحر من العرب سيدفع اليهود الى البحر المتوسط، وجرى تثبيت بعض الشطحات السياسية الانتخابية مثل (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة).
أساطير ودعايات، استثمرها الحكام الصهاينة المتطرفون ولعبوا بها على أوتار الرأي العام العالمي المشبع بأفكار الثورة الفرنسية الفرنكوفونية، والاصلاح الدستوري الأنجلو سكسوني، وحق الأمم في تقرير مصيرها الذي ترسخ في جمعية الأمم المتحدة بعد آخر حرب عالمية.
هذه الأساطير تحولت إلى كارما ترتد على تيارات اليمين الإسرائيلي المتطرف وزعماؤه نتنياهو وبن غفير وسمو تريش وآخرون، دافيد المعاصر هو هذا الطفل الفلسطيني الأعزل المتشبث بأرضه الذي يظهر على وسائل الإعلام وهو يروي بهدوء حزين كيف قتل السفاح الصهيوني غوليات المدجج بالسلاح أبوه وأمه وأخوته، وماسادا الآن هي غزة التي يتشبث أهلها الفلسطينيون بأرضهم ويرفضون الهجرة والتهجير، حتى لو حولها الغزاة الى دمار.
والمحرقة الآن هي هذه الأطنان من القذائف والقنابل التي تنهال على غزة وتحرق الاخضر واليابس، وحكام اسرائيل المتطرفون هم الذين يتحدثون الآن عن دفع الفلسطينيين إلى البحر، وهذه ليست شطحة سياسية او انشائية عابرة، وتحرير مئة وبضع عشرات من الرهائن الإسرائيليين لا يستدعي هذه الحرب الشاملة وهذه الابادة.
وعودة الى سموتريش وتصريحاته ففي زعمه (لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني ومن الخطأ أن بن غوريون لم يكمل مهمته ويطرد الفلسطينيين خارجاً في 1948) ويدعو إلى الفصل بين النساء اليهوديات والفلسطينيات في أجنحة الولادة ويعترف بأن الفلسطينيات يشكلن خطراً على التركيبة السكانية.
وأترك للقارئ تصور من يبتسم في قبره الآن سعيداً لهذه العبارات فائقة العنصرية…!
توطين لقطعان مستوردة من الارهابيين والمتطرفين الصهاينة، وغاز غزة الذي اشرت إليه في مقالة سابقة، وتهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه الأصلية او إبادته على ارضه الشرعية بأسلحة تماثل اسلحة الدمار الشامل، هي عناوين لبرامج وخطط وأهداف ثابتة للقيادة الإسرائيلية، وتغيير الحكومات والوزراء والوجوه والتصريحات هي تحولات عشوائية أو مقصودة.
بالإذن من شاعرنا الكبير أدونيس وكتابه الثابت والمتحول.
👌