هل تصالح المجتمع الدولي مع واقع حكومة طالبان؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
كاليفورنيا – البيت الأبيض بالعربية
مقال الرأي بقلم د. عبيد الله برهاني
يلتئم في العاصمة القطرية الدوحة في الثامن عشر والتاسع عشر من شهر فبراير الجاري، مؤتمراً دولياً حول أفغانستان، وقد أعلنت الأمم المتحدة عن رغبتها في حضور طالبان لهذا المؤتمر.
الحضور يشمل مبعوثين رسميين من: الولايات المتحدة حيث يحضر مبعوثها تام ويست، والصين، وروسيا، وحركة طالبان الحاكمة الفعلية، إضافة إلى ممثلين عن دول أوروبية وقوى عربية مثل قطر، الإمارات،و دول مجاورة مثل باكستان وإيران.
يأتي هذا الاجتماع في غياب أجندة محددة، ربما بسبب عدم توافق المجتمع الدولي حتى الآن على رؤية موحدة، حتى مع وجود أهداف معلنة للمحادثات مثل قضايا أساسية تتعلق بحقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بالنساء والفتيات، وشمولية الحكم، ومكافحةالإرهاب، وتهريب المخدرات.
المجتمع الدولي يتفق على ضرورة التعامل مع النظام الحالي في كابول كواقع لا مفر منه، وذلك من خلال توسيع نطاق التفاعل معه. ولكن مازال تعريف الانخراط أو نوعية التعامل غير محددان، ولا يزال الاعتراف بحكومة طالبان غير مطروح على الطاولة حاليًا، حيث يتعين عليها الالتزام بجميع الشروط التي وضعت في اتفاقية الدوحة الأخيرة، وذلك وفقًا لتأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً.
في العاصمة الأفغانية كابول، أعلنت سلطات حكومة طالبان أنها تلقت دعوة للاجتماع، وأبدت رغبة بمشاركتها بشروطها وملاحظاتها، آملة أن تؤخذ بعين الاعتبار من أجل تؤدي المشاركة إلى التعامل بشكل بناء وإيجابي في التفاعل مع المجتمع الدولي.
على الرغم من أن طالبان ترى أن الاجتماع يمثل تطورًا إيجابيًا يمكن أن يفتح آفاقًا للتعامل ويسهم في تحقيق الانخراط الدولي، إلا أن لديها مخاوف تتعلق بتركيبة المشاركين في الاجتماع وخاصة الأطراف الأفغانية التي تدّعي المعارضة ولا تحظى بتأييد الشعب (كما ترى طالبان)، بل تُعتبر فاقدة للاعتبارات الوطنية. كما تشير طالبان إلى غياب أجندة واضحة للمحادثات. تعتبر طالبان أيضًا أنه لا يوجد سبب وجيه لتعيين مبعوث خاص، وهو ما ورد في تقييم فريدون سينيرلي أوغلو على تعيين مبعوث خاص، وهو الدبلوماسي التركي ومنسق بعثة التقييم الخاصة لأفغانستان. وبحسب ما ورد في التقرير المذكور، فإن مجلس الأمن الدولي، بإصدار قراره رقم 2721 في العام 2023، ألزم الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين مبعوث خاص لأفغانستان؛ وهي القضية التي واجهت معارضة صريحة من حركة طالبان.
هذا وتظل قضية حقوق النساء أحد المحاور الرئيسية، حيث تعتبرها طالبان قضية داخلية، وتعمل على البحث عن حلول شرعية تتماشى مع الثقافة الأفغانية. ومع ذلك، يبقى هذا الخلاف الجوهري الذي يثير قلق المجتمع الدولي حيال احتمال تطبيق قوانين صارمة تعتمد على التفسير الشرعي الخاص بهم. والأمم المتحدة تدرج هذا الأمر في خانة التمييز الجنسي، ما يزيد من التوتر هوة الخلاف بين طالبان والمجتمع الدولي في هذا السياق.
يتوقع أن يتم التعامل مع طالبان في اجتماع الدوحة باعتبارها ممثلة لحكومة شرعية، وباحترام كحكومة مستقلة في لقاءات المحافل الدولية، وليس كمجموعة لا تزال مدرجة على القوائم السوداء للأمم المتحدة.
هذا وسبق أن رفضت طالبان المشاركة في النرويج بسبب تحدي الناشطين في حقوق المرأة الذين كانوا حاضرين كضيوف. وفي الاجتماع الذي عقد في سمرقند نهاية العام الحالي، لم يشارك وفد طالبان وقد تم استبعادهم من الصورة الجماعية للضيوف.
لكن، الجماعات المعارضة الخارجية تعاني من التشتت والانقسام، وقد فقدت مصداقيتها لدى الشعب، بل هي ساهمت في تقويض مؤسسات الدولة الأفغانية وإضعاف الحكومة المركزية، بينما لا تجد ظهيراً من القوى الدولية في الظروف الحالية. وتظل هذه المعارضة تعلق آمالها على دعوة تتلقاها في الساعات الأخيرة للانضمام للمؤتمر، وذلك بهدف الحصول على حصة من السلطة والمناصب ضمن المشهد السياسي الراهن.
إن المجتمع الدولي يواجه تحديات كبيرة في التعامل مع الوضع في أفغانستان، حيث تتقاطع متطلبات طالبان الفتية مع تطلعات المعارضة الهشة. هذا الانقسام يخلق موقفاً صعباً حيث يتعين على المجتمع الدولي التفاوض مع حكومة طالبان التي قد تتبنى سياسات أكثر تشددا وتتحكم في المشهد السياسي والاقتصادي.
الأيام وحدها كفيلة بالإجابات وربما المفاجأت!