آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

VIVA نيلسون مانديلا

الاستماع للمقال صوتياً

مونتريال – مقال الرأي

بقلم بسام أبوطوق

انتصر نيلسون مانديلا على نظام الفصل العنصري -الأبارتهيد- مرتين، الأولى من وراء قضبان السجن المديد بعد تسع وعشرين عاما من الصمود في زنزانته مؤازرا وقائدا لنضالات وتضحيات شعب جنوب أفريقيا، التي أدت إلى انتقال في مواقف أجزاء كبيرة من الأقلية البيضاء من ضفة الاستمتاع بالمزايا التي يقدمها لها الفصل العنصري إلى ضفة الإقرار بحق الأكثرية في الحياة والحرية على أرضها، ودفعت إلى التحول التدريجي للقطاعات المؤثرة في الرأي العام العالمي من تجاهل مخاطر استمرار نظام الأبارتهيد هذا إلى التحرك الفاعل لمحاصرته والتضييق عليه حتى يذعن لحركة التاريخ العالمي الصاعد نحو التخلص من بقايا أنظمة العبودية والاستعمار.
و من ظلمات قبره انتصر مانديلا في المرة الثانية عندما تقدمت حكومة جنوب أفريقيا -الدولة التي ساهم في تأسيسها- بشكوى عاجلة إلى محكمة العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية. هنا تتجلى حكمة التاريخ وسخريته.. الدولة الأخيرة التي تخلصت من الفصل العنصري تشتكي على الدولة التي تليها في نظام الأبارتهيد المقيت.
ومن مقالب التاريخ أيضا أن اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية قد أبرمت عام 1948 بعد محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، هذه الاتفاقية التي تحمي اليهود من الإبادة الجماعية هي نفسها مرجع الشكوى التي قدمتها جنوب افريقيا لحماية الفلسطينيين من أسلاف من تعرض للإبادة الجماعية في الأربعينيات من القرن الماضي.
وليس من تعرض للعصي كمن يعدها، فلا يعي ويقدر مخاطر الفصل العنصري وأضراره أكثر من أمة عانت من نظام الأبارتهيد لعقود من السنين.
لم يأت قرار المحكمة الدولية بكل ما طلبته جنوب أفريقيا في شكواها ويبدو أنه خضع لمساومات وتسويات سيتكفل الزمن بكشف الغطاء عنها، لكنه افتتح مسار محاسبة إسرائيل على الحروب العدوانية التي تشنها على شعوب الجوار.
فمحكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل في قرارها هذا (( باتخاذ كافة التدابير لمنع جريمة الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني في غزة)) وهذا اعتراف مبطن بأن هناك أبادة جماعية وأن هناك انتهاك للوضع الإنساني في غزة، وإسرائيل هي الطرف الذي عليه منع هذه الإبادة وهذا الانتهاك.
وتؤكد محكمة العدل الدولية ((أن على إسرائيل ضمان عدم ارتكاب قواتها لأعمال إبادة جماعية)) وتأمر ((بتقديم تقرير إلى المحكمة في غضون شهر واحد مؤكدة أن الحكم يفرض التزامات قانونية دولية على إسرائيل )) وتضيف ((أنها لن ترفض قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل)).
هذا القرار لم يكن بالمستوى الذي توقعه الرأي العام المناصر لحقوق الشعوب تحت الاحتلال، ولم يرض المدافعين عن إنسانية المجتمعات البشرية في وجه الهمجية والغطرسة المصحوبة بالأسلحة الفتاكة فائقة القوة، عدا عن عدم وجود آلية لتنفيذه حتى ولو بالحد الأدنى، ولكن يبقى على الإعلام المناصر للحق الإنساني، والفكر القانوني المنحاز للتقدم البشري، ونشطاء الرأي العام المتواجدين في ساحات التظاهر اليومية في مدن العالم الحر، يبقى لهؤلاء أن يصمدوا و يسلطوا الضوء على المعاني الإيجابية في قرار محكمة العدل الدولية.
مرة أخرى تحية لنيلسون مانديلا في قبره.
كرة الثلج تتدحرج ولن تتوقف.
زر الذهاب إلى الأعلى