فسفور إسرائيل الأبيض وخطوط بايدن الحمر
الاستماع للمقال صوتياً
|
“إدارة بايدن قلقة بشأن استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في لبنان قبل شهرين”. هذا كان تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، خلال مؤتمر صحفي مؤخرا في البيت الأبيض.
وتأتي تعليقات كيربي في أعقاب تقرير استقصائي أجرته صحيفة واشنطن بوست، حيث وثّق الصحفي الذي أعد التقرير من الميدان، العثور على بقايا ثلاث قذائف مدفعية عيار 155 ملم أطلقت على الديرة، وهي بلدة صغيرة في جنوبي لبنان.
يمكن استخدام الفسفور الأبيض لإخفاء حركة القوات عندما يتساقط الدخان بشكل عشوائي فوق المنطقة، لكن المادة الكيميائية يمكن أيضا أن تلتصق بالجلد وتسبب حروقا مميتة وأضرارا في الجهاز التنفسي، واستخدامه يمكن أن ينتهك القانون الدولي إذا كان عمدا كسلاح ضد المدنيين، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. واتهمت تقارير في أكتوبر/تشرين الأول إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض في المنطقة، وقالت منظمة العفو الدولية إنه يجب التحقيق في الأمر باعتباره جريمة حرب. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن تسعة مدنيين على الأقل أصيبوا في الهجوم. وتظهر العلامات الموجودة على الطلقات أنها صنعت في لويزيانا وأركنساس في عامي 1989 و1992، وفقًا للتحليل. وتشير العلامات الأخرى، بما في ذلك الحروف “WP”، إلى وجود المادة الكيميائية.
كما أوردت تقارير متطابقة أن طبيبا في غزة يقول إنه رأى أدلة على استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض، بينما شدد كيربي على أن الذخائر ليس المقصود استخدامها لإيذاء الناس. وقال: “من الواضح أنه في أي وقت نقدم فيه مواد مثل الفسفور الأبيض إلى جيش آخر، فإننا نتوقع تمامًا أنه سيتم استخدامه بما يتماشى مع تلك الأغراض المشروعة وبما يتماشى مع قانون الصراع المسلح”.
استخدام إسرائيل المحتمل للمادة الكيميائية في منطقة مدنية أدى إلى ارتفاع مستوى الضغط على الرئيس بايدن ودائرته المباشرة، الذي واجه دعوات من المشرعين والعاملين في الإدارة لإعادة التفكير في المستوى الحالي من الدعم الأميركي للحليفة إسرائيل.
وبالفعل قام أكثر من 400 موظف في إدارة الرئيس بايدن بكتابة رسالة مفتوحة تطالبه بالسعي إلى وقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي أودت بحياة آلاف المدنيين.
الرسالة جاءت بتوقيع تحالف من المعينين السياسيين والموظفين المدنيين في إدارة بايدن -هاريس، العاملين في مجالات السياسة الداخلية والخارجية، وفي الوكالات الفيدرالية والإدارات والوكالات المستقلة والبيت الأبيض، وجاء في متنها: “إننا ندعو الرئيس بايدن إلى المطالبة بشكل عاجل بوقف إطلاق النار؛ والدعوة إلى وقف تصعيد الصراع الحالي من خلال ضمان الإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين والفلسطينيين المحتجزين تعسفياً؛ واستعادة خدمات المياه والوقود والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية؛ ومرور المساعدات الإنسانية الكافية إلى قطاع غزة”.
هكذا تبدو الولايات المتحدة اليوم في حمأة الحرب الشعواء التي تديرها آلة إسرائيل الثقيلة على قطاع غزة، ضبابية الملامح تتحرك في منطقة غير واضحة المعالم في التعامل مع ظروف الحرب بين إسرائيل وحماس، بينما بدأ موقف الرئيس بايدن يتطور باتجاه مغاير لما كان عليه في الأسبوع الأول من أحداث 7 أوكتوبر ليصير أكثر انتقادًا لإسرائيل، وأشد عليها في ضرورة تجنّب الهجمات على المدنيين إلى تتحول بالتدريج إلى نوع من الانتقام الجماعي من أهل غزة كافة بلا تمييز، بينما يجد بايدن نفسه محاصراً في دائرة ضغوط شعبية واسعة تدعوه لكبح جماح تصرفات إسرائيل في غزة.
فمع استمرار الحرب، أصبح بايدن أكثر ميلاً إلى الضغط على حكومة الحرب في إسرائيل من أجل ضبط النفس، أكثر من أي وقت مضى، وبدأ برسم “خطوط حمر” ستحدد الكيفية التي تريد الولايات المتحدة أن ترى تعاطي إسرائيل مع الصراع من الآن فصاعدًا، هذا بالإضافة إلى تكرار دعمه لحل الدولتين عندما ينتهي الصراع.
فصل المقال يكمن في قدرة الجهات المنخرطة في الأعمال القتالية الآن على إدراك حجم الكارثة الإنسانية التي تحيق بملايين من النازحين والهاربين من جحيم المعارك نحو جنوبي غزة، وأن يتوصل الجميع مهما علت الأثمان والتنازلات التي سيقدمها طرفا المعركة إلى اتفاق حقيقي وطويل لوقف إطلاق النار يصوّت على حروفه الأولى مجلس الأمن دون أن يتدخّل لتعطيله أصحاب الفيتو.