الأطباء السوريون.. مستقبل مرهون بقيد البيروقراطية
الاستماع للمقال صوتياً
|
باريس – خاص بوّابة سوريا
منار عبد الرزاق
دفعت الحرب في سوريا وما ترتب عليها من ظروف اقتصادية إلى هجرة آلاف الأطباء السوريين خلال الـ 10 سنوات التي مضت، ما هدد بانهيار القطاع الطبي في سوريا.
تنقسم فترات هجرات الأطباء إلى مراحل مختلفة، في البداية كان الأطباء الذين يعالجون المصابين برصاص أجهزة المخابرات السورية محل متابعة وملاحقة أمنية وصل حد تصفية بعضهم ضمن المعتقلات، أو حتى في الاستهدافات الصاروخية التي طالت المستشفيات في مناطق المعارضة السورية.
هؤلاء الأطباء هربوا من سوريا دون أي أوراق رسمية تثبت خبرتهم الطبية، أو حتى شهاداتهم المهنية.
في الفترات اللاحقة يبدو أن انهيار الاقتصاد متأثراً بطول فترة الحرب والعقوبات الاقتصادية دفعت العديد من الأطباء السوريين المغادرة لاحقاً، ولم يسجل عدد كبير منهم في سجلات اللاجئين الواصلين إلى أوروبا على أساس صفتهم المهنية ولم يعرفوا في البيانات الرسمية على أنهم أطباء.
بكل الأحوال، اختفى نحو 15 ألف طبيب من قواعد البيانات حسب إحصاءات الأمم المتحدة، لم يعرف مصيرهم، ولا أين اختفوا.
حسب الأمم المتحدة عثرت في إحدى جولاتها في إحدى المخيمات التركية على نحو 173 طبيب، وهناك فقط 5 أطباء مسجلين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، صحيح قد يكون هناك أطباء تمكنوا من معادلة بعض شهاداتهم الطبية، لكن القانون التركي لا يسمح العمل لغير المجنسين منهم.
وكانت المفارقة أن الحكومة التركية لم تسمح لهم بمغادرة البلاد، بسبب اختصاصهم النوعي عندما قبلتهم أوروبا كلاجئين.
ويعتبر توزع العديد من العيادات السرية في بعض الولايات التركية الحدودية مع سوريا أمراً شائعاً،
بعضهم يعمل ضمن شقق غير معلنة، أو في غرف داخل محلات تجميل أو ألبسة.
في تحقيق صحفي أنجزته مؤسسة أريج للصحافة الاستقصائية بعنوان: “هجرة الأطباء السوريون.. قصة هدر عملاق”، يظهر جلياً كيف كان القرار الأوروبي في عدم اعتماد هؤلاء الأطباء دون شهاداتهم الثبوتية جائراً بحقهم، رغم حاجة أوروبا الماسة في تدعيم القطاع الطبي.
الأرقام الصادمة التي وصل إليها معدو التحقيق تبين كيف أن 70 بالمئة من الأطباء السوريين في المنفى لم يحصلوا على أوراق اعتماد في كندا.
الأمينة العامة للجنة الدائمة للأطباء الأوروبيين” (CPME) سارادا داس التي تمثل الجمعيات الطبية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبية أخبرت معدي التحقيق أنهم يعارضون المسارات المتسرعة والتي تقلل من مستوى التدقيق، لأنه من وجهة نظرهم يؤدي إلى رعاية صحية من الدرجة الثانية، بينما يجب على كل مريض أوروبي أن يكون واثقاً من أن مقدم الرعاية الصحية خضع للتدريب اللازم، رغم إقرارها توثيق المؤهلات قد يكون صعباً للغاية بالنسبة للأطباء السوريين الوافدين.
ولكن المؤسف الذي كشفه هذا التحقيق كان عدم النزاهة في اعتماد المعايير، فلقد اعتُمِدت الممرضات الأوكرانيات مباشرة في القطاع الطبي بعد وصولهن كلاجئات.
بينما حصل معدو التحقيق على إقرار رسمي عن كيفية منح عاملين في القطاع الطبي بأوكرانيا إمكانية الوصول إلى أسواق العمل على الفور، كان هناك الآلاف من اللاجئين السوريين قد حرموا من ذلك، بل عانوا أيضاً من اختلاف اللغة والتمييز على أساس الدين، وبشكل خاص الطبيبات المحجبات.
ويبدو أن الحكومات الغربية بدأت تستقطب الخريجين الجدد، فهناك اليوم تسهيلات من قبل الحكومة الكندية لاستقطاب الأطباء، وكذلك فعلت ألمانيا.
وبدل الانتباه إلى القطاع الطبي، ظهرت مكاتب رسمية تقدم خدمات الفيزا وامتحان اللغة وتقديم الطلبات للسفر على عين الحكومة، وقد أصمت آذانها عن نداءات النقابات المعنية، وهذه المكاتب علنية وتقام أنشطتها في فنادق معروفة.
ويدفعنا ما ورد في السياق هنا إلى التساؤل حقيقة عن رغبة حكومة دمشق في المحافظة على ما تبقى من الثروات البشرية في البلاد، الأطباء خصوصاً.
ولكن يبدو أن حاجة النظام السوري إلى العملة الصعبة تدفع بهؤلاء الأطباء الجدد إلى السفر خارج البلاد.