آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

إيران: من الثورة الإسلامية الى الثورة الأممية

الاستماع للمقال صوتياً

وايتهاوس – مقال الرأي

بقلم الإعلامي الفلسطيني أيمن خالد

لا أحد كان سيصدق ذات يوم أن إيران هي وريث الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط، رغم الفوارق الكبيرة بين “ثورة ملالي” ذات الطابع الديني و”ثورة شيوعية” لا دينية تريد إعادة تشكيل العالم على أسس اقتصادية تحت قبضة البروليتاريا.

غير أن المشترك بينهما ظهر متأخراً، وأكاد أجزم أن توصيف إيران في المشهدين العربي والعالمي بشكل دقيق لم يكن معروفاً حتى فترة قريبة، عندما ظهرت رايات المليشيا، التي فرقت، ومزقت مؤسسات الدولة وصولاً إلى مكونات النسيج الاجتماعي، ما يجعلنا نقف للمقارنة بين ثورة البروليتاريا التي أنتجت دولة القهر والاستبداد وبين ثورة المليشيا التي أنتجت أشباه الدولة المتآكلة.

الواقع اختلف عن الأمس، ولم تعد المليشيا الطائفية أو المذهبية هي الوصف المنسوب لإيران في المنطقة، فالتمدد المباشر من العراق إلى سوريا، أدى لظهور اشكال عديدة من المليشيا المرتبطة بإيران، من طوائف وأديان ومذاهب مختلفة، أدخلت اللا دولة وغيبت منطق الدولة، ووصل الأمر إلى الحركات اليسارية التي احتوتها إيران، حيث وظفت فصائل اليسار على اختلافها سواء في سوريا أو الضفة وغزة ولبنان،  وفي فترة زمنية وجيزة كان (اسم الثورة الإسلامية الإيرانية) يختفي من المشهد الإعلامي ليحل مكانه مصطلح جديد هو “محور المقاومة”.

بهذه التسمية الجديدة، تغلبت إيران على عقدة جوهرية في مكونات المشروع الإيراني، فأصبحت تقوم بتصدير جوهر الثورة الإيرانية ولكن وفق قالب جديد وشكل مختلف يضم مكونات دينية ومذهبية وأيضاً لا دينية، وبهذا أنجزت إيران شكلها الأممي الجديد، والذي بات واضحاً مع التسلل الإيراني خارج المنطقة، إلى جمهوريات إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وإذا أردنا أن نرى المشهد في فنزويلا التي يهرب منها ملايين الناس بسبب الجوع، نتساءل كيف تضيع الدولة وعن سر الأممية الإيرانية، في ممالك الجوع، عندما تصبح اشباه الدول أمراً قابلاً للتمدد، وأيضاً يجد من يدافع عنه بقوة.

كان لدى السوفييت “دار التقدم” التي ترجمت الأدب الروسي للعالم مع كثير من إرث الشيوعية وغيره، وكان لدى إيران الحوزة الدينية، التي لم يعد مهماً ظهورها في المشهد، مع ولادة المساحات الإعلامية الواسعة، إذ باتت إيران اليوم ترعى معظم المؤسسات الاعلامية الضخمة، ووظفت المئات والمئات من الكتاب والإعلاميين في دول عديدة، لكي تعمل على انتاج مكون إعلامي تستبدل فيه لغة الدين بمصطلحات قادرة على تضليل الجمهور من خلال إعادة دمج هذه المصطلحات وتحويلها إلى فعل ثقافي مؤثر، وهنا بالضبط تظهر القيمة الفعلية لمصطلح (محور المقاومة) وسيبدو شيقاً ومقنعاً للأجيال الشابة على اختلاف ثقافاتها الدينية، حيث ثقافة الوهم المقترنة بفكرة حتمية الانتصار، والموروثة عن الثورة البلشفية ذاتها.

بالتالي من شاشة التلفزيون حتى الصحيفة والموقع الالكتروني، وكيفما توجهت تلاحظ وجود نخبة إعلامية أعطيت كامل الإمكانات لتظهر على الواجهة الإعلامية، وتقدم خطاباً إعلامياً مميزاً، يوحي لك أنك أمام مشهد حضاري في الصراع بين قوى الاستعمار من جانب وقوى التحرر من جانب آخر، وتحت هذه المظلة الإعلامية يتم إرساء ثقافة التخوين والعمالة كبديل للثقافة الدينية التي يضيع الجدل فيها بين الإيمان والكفر.

وبهذا المنتج الإعلامي الجديد، أصبح لدى إيران جيشاً من الإعلاميين يفوق إمكانات دار التقدم بملايين المرات، خاصة مع سياسة تغييب التعليم في أماكن هيمنة إيران، ما يعني أننا غداً وبعد غد، سنكون أمام جيل يعيش تحت مستوى الوعي، يتوهم مشهداً غير واقعي بالمطلق، فنحن لم نشهد في تاريخنا بالمطلق، أن مستعمراً دخل الى البلدان العربية وجعلهم يقتلون بعضهم بعضاً في مخضم المجهول كما يحدث الان.

أخيراً، ولسنوات طويلة، كان يعمل الغرب على إرساء مفهوم الدولة والحفاظ عليه كمنتج وإرث بشري يعود الى ما قبل التاريخ، بينما تمضي ايران نحو تفكيك منطق الدولة وإسقاطه، على حساب دولة المليشيا، فهل تغلبت إيران على أمريكا في المنطقة، وهل فكرة الحرب الأخيرة في غزة هي إرادة المليشيا على حساب إرادة السلام والاستقرار، ثم في أي بلد سنجد إيران غدا.

زر الذهاب إلى الأعلى