طوفان الأقصى وما بعده
الاستماع للمقال صوتياً
|
بيروت – وايتهاوس
مقال الرأي بقلم الجنرال يعرب صخر
مما لا شك فيه أن عملية “الطوفان” قد مثلت إنجازا غير مسبوق قل نظيره، ومباغتة مثالية ومبادأة محترفة في فنون الإغارة الخاطفة والعمليات الاستباقية الناجحة.
فمنذ أكتوبر ١٩٧٣، لم تعش إسرائيل رعبا كالذي تعيشه اليوم في أكتوبر ٢٠٢٣؛ طوال فترة ٥٠ سنة وإسرائيل تنعم بالأمن والسلام، وتتقلب بين اتفاقيات هدنة ومفاوضات سلام، تتخللها بعض التوترات الأمنية المحدودة وتعتريها أزمات عابرة سرعان ما تسيطر عليها (حرب تموز ٢٠٠٦ مثلا)، والعرب باتوا منشغلين عنها بهاجس آخر هو إيران التي منذ بروزها في ١٩٧٩ تعيث في عديد من الأقطار العربية الفوضى والفساد، وتزرع خلاياها الهدامة هنا وهناك.
إنما الآن نحن من نراقب على مدى يومين كيف تعاني إسرائيل. وقبل أن تأخذنا سكرة الموقف، علينا العودة للواقعية والمراقبة الآنية لتلاحق الأحداث. النصر الحمساوي مع أنه صاعق، لكنه آني ومحدود المكان مهما اخترقوا من مستوطنات بعد غلاف غزة، ومحدود الزمان كذلك مهما امتدت أيام العراك. ففي كل يوم يمر تستنفذ حماس المهاجمة قواها، وتستعيد إسرائيل وعيها وتستفيق من ذهولها. إذ أن النصر الحمساوي يكون بتثبيت المكتسبات وباستغلال الموقف للتفاوض من موقع قوة والتهيؤ لما بعدها . فهل ذلك في حسابات حماس؟ أم أنها مجرد فورة قوة لم تخطط لما بعدها؟
بنظري هذا ليس انتصارا كامل الأوصاف، بل هو عملية عسكرية نجحت نجاحا مبهرا، وحلقة غير متصلة بسلسلة متناغمة تتوافق وتتداعى مع بعضها. أقصد هنا مصطلح وحدة الساحات الذي أطلقه الممانعون، وحماس جزء منه، بقيادة إيران. فلو أن عملية حماس ضمن عمل شامل في وحدة الساحات انطلقت جميعها بذات التوقيت، لكانت حماس رأس سهم مندفع لا شك سيصيب هدفه.
لكن حماس متروكة تحارب وحدها، تنادي حلفاءها من باقي الأطراف الممانعة لتوسيع الساحات وتشتيت جهد العدو، ولا يلبونها. إذاً، هي تخدم أغراض غيرها ولا تخدم نفسها. وبهذه الحالة، سرعان ما ستقوم إسرائيل من عثرتها وتستلم المبادرة، بعد أن استدرت العطف الدولي وأميركا تأهبت لنجدتها.
أما كيف تكون حماس قد تم استعمالها لتخدم غيرها، ففيما يلي نحدد ونقول أن إيران هي المستفيد. كيف؟
منذ بداية صيف هذا العام، بدأت الأمور تسير في غير صالح إيران، كانت بدايتها في الحشد العسكري الأميركي شرقي الفرات لأهداف وغايات أميركية تتعارض مع حرية حركة إيران وتحد من أنشطة أدواتها وممراتها وخطوطها من طهران عبر العراق مرورا بسوريا وصولا للبنان.
ثم الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين ألزمها بمبدأ احترام سيادة الدول ومنعها من تهديد وابتزاز السعودية عبر الحوثي في اليمن.
ثم الممر الإقتصادي والتجاري البحري والبري الهندي الكبير، المنافس لطريق الحرير أو الحزام والطريق الصيني، ينطلق من الهند يمر بالإمارات والسعودية والاردن نحو حيفا إلى اليونان ومنها لكل أوروبا.. وإيران خارج هذا الممر.
ثم النية السعودية بالمضي قدما في عملية التطبيع مع إسرائيل، مع تحديدها للحقوق الفلسطينية، واشتراطها معاهدة دفاع مشترك مع أميركا، والأهم حيازة القدرات النووية لأهداف مدنية طالما إيران لا تزال بهذا الوارد.
آخر الأمور، نكسة إيران في أذربيجان وخسارة أرمينيا، وتمكن منافسها التركي من الإمساك بخطوط التواصل الجيوسياسي والعرقي مع دول القوقاز والتحكم بممرات الطاقة انطلاقا من أذربيجان.
بالعودة لساحة المعركة؛ ولفهم إضافي لما يجري، تتبعوا معي مهزلة التناقض عند القياديين في حماس:
محمد الضيف/العسكري: ’العملية رد على الانتهاكات لحرمات المقدسات، وانتقام على الاعتداءات الإسرائيلية اليومية’.
هنية ومشعل/السياسي: ’هذه العملية لنسف عملية التطبيع العربي الإسرائيلي’.
يعني العسكري الحمساوي على الأرض متحمس وفي نشوة لاستعادة حق مقدّس.. يديره أقطاب حمساويون يسكنون مرفهين في قطر.. تديرهم طهران!
تلك العوامل التي سقناها، مجتمعة، تشير إلى أن إندفاعة حماس (بحماسة) ومعها “الجهاد” في لجة الطوفان، أنما هدفها محدّدٌ بانتشال إيران من غرقها، وبعدها هم الغارقون!