عُشرية بيضاء للشرق الأوسط
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن – وايتهاوس
رسالة المحرّر بقلم مرح البقاعي
لا تزال طهران غير جاهزة للتحرّك باتجاه التعاون اللازم والملزم مع التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن أنشطتها النووية.
فعلى الرغم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مارس/آذار الفائت، والذي سعى إلى تحسين قدرة الوكالة النووية على القيام بعملها، فإن إيران تضع العراقيل باستمرار في وجه المفتشين الدوليين، وحكومتها لم تنفذ حتى الآن ما وقعت عليه بشكل كامل.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الجهة الرئيسية للرقابة النووية في العالم، قد أطلقت الأسبوع الماضي مقتطفات من تقريرها الفصلي الأخير حول البرنامج النووي الإيراني، والمشهد العام الذي يمكن استشفافه من التقرير هو في أحسن الأحوال غامض وغير مطمئن!
وقد أعادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تركيب بعض – وليس كل – الكاميرات التي أزالتها إيران من مواقع التخصيب كرد فعل على العقوبات الأمريكية. وتحتفظ طهران بالمعلومات التي جمعتها تلك الكاميرات، ما يعني أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يمكنها حتى الاطلاع على مجمل التسجيلات المصورة.
هذا ويواجه موظفو الوكالة الدولية للطاقة الذرية صعوبة في الحصول على الوثائق المطلوبة لدخول إيران، بينما يستمر مخزون طهران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% في النمو في هذه الأثناء. كل هذا دفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إبلاغ مجلس الأمن بأنه لم يتم إحراز أي تقدم في مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية.
لكن، وعلى الرغم من عدم تعاون حكومة طهران مع الوكالة، إلا أنها تراجعت عن بعض من التصعيد في سياق برنامجها النووي، حيث لم تتم إضافة أجهزة جديدة متقدمة للطرد المركزي.
أما عن اتفاق العام 2015، فمن غير المرجح إحياؤه من جديد، على الرغم من أن واشنطن وطهران تبقيان على نقاط الاتصال مفتوحة في محاولة للتوصل إلى مخارج أخرى للعودة إلى اتفاق ما مع طهران.
ما يقلق واشنطن في هذا الشأن أن تلك المخارج قد تتجاوز البرنامج النووي الإيراني لتصل إلى مسارات أخرى، مثل مساومة إيران على الثمن الذي تدفعه واشنطن مقابل إطلاق سراح المعتقلين الأمريكيين في سجونها، وكذا تخفيف العقوبات الأمريكية على صناعة النفط الإيرانية والمبادلات التجارية المعلّقة.
وفي الشهر الماضي فقط، وبعد أكثر من عامين من المحادثات، اتفقت الولايات المتحدة وإيران على صفقة تبادل المعتقلين التي تم بموجبها الإفراج عن خمسة أمريكيين معتقلين في إيران مقابل رفع واشنطن تجميدها لمبلغ 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيرانية التي كانت محتجزة في بنك في كوريا الجنوبية.
هذه الخطوة التي أثارت غضب الصقور في واشنطن ضد سياسات بايدن مع خصمه اللدود القابع في طهران، إلا أنها كما يدافع عنها فريق الرئيس بايدن قد تعمل على دفع الإيرانيين للتصرف بمسؤولية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المقام، هل انتهزت واشنطن فرصة التقارب الإيراني وتطبيع علاقات طهران مع دولة مسلمة كبرى مثل المملكة العربية السعودية، لتعديل سياساتها العقابية بشكل طفيف، والإفادة من الجو الإقليمي الأقل صدامية، وذلك بهدف تحقيق أهداف لها في الملف النووي الإيراني المعطّل من جهة، وفي محاولة لتحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة تكون إيران واحدة من صناّعه ولا تترك خارج دائرته؟
والسؤال الآخر الذي يقع في الضفة المقابلة، هل كانت واشنطن مضطرة لتأمين إيران بكتلة مالية ضخمة تصل إلى 6 مليارات من الدولارات قد تستخدمها في تعزيز حرسها الثوري العابر للحدود، الأمر الذي يعيد المساعي الأمريكية والدولية لاحتواء نزعات إيران لتهديد الاستقرار في المنطقة إلى المربع الأول؟
حقيقة الأمر أن تغيّر الظروف الإقليمية والتحرك باتجاه تصفير الأزمات في الشرق الأوسط، وهي جهود تقودها السعودية بامتياز واقتدار، قد يكون سبباً أيضاً في نزع فتيل الإرهاب النووي الإيراني.. وإلى الأبد.
فصل المقال يكمن في المبادرة العربية الشاملة التي تقودها السعودية، والتي تتقدّم ببطء لكن بتأنٍ وثقة، وتشمل مشروع عُشرية سلام واستقرار في الشرق الأوسط يكون العدوّان، في طهران وتل أبيب، طرفين فاعلين في تأمين ظروف نجاحه وحيثياته المقبولة للأطراف المنخرطة كافة، وذلك ضمن مظلة مقترح سعودي متكامل لإدارة المرحلة العشرية المقبلة في المنطقة يتّسق مع رؤية السعودية 2030.