آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

العلاقات السعودية مع واشنطن ليست زواجاً كاثوليكياً

الاستماع للمقال صوتياً

مكّة المكرّمة – خاص وايتهاوس

مقال الرأي بقلم د. عبد الحفيظ محبوب

ما يحدث اليوم من استعراض عسكري أمريكي يعبر مضيق هرمز يشبه ما حدث في 1515 عندما أرسل الشاه إسماعيل الصفوي مقترحا إلى البوكيرك بموافقة الدولة الصفوية على أن تصبح مملكة هرمز خاضعة للبرتغال، مقابل تعهد البرتغاليين بمساعدتهم في احتلال البحرين والقطيف بالإضافة إلى الوقوف بجانبهم ضد الدولة العثمانية، لكن استغل مراد باشا حاكم البحرين وصول العثمانيين إلى بغداد عام 1534، فأعلن الولاء للدولة العثمانية ورفض دفع الأتاوات إلى مملكة هرمز الخاضعة للبرتغاليين ثم استعان كذلك بشاه هرمز بطلب المساعدة من العثمانيين كذلك، في المقابل تمرد الشيخ مانع بن راشد حاكم البصرة على العثمانيين فطردوه من البصرة عام 1546، فطلب من البرتغاليين الحماية لاسترجاع البصرة مقابل تسليمهم القطيف ودفع الأتاوات لهم سنويا لنائبهم في هرمز.

لكن العثمانيين سيطروا على القطيف عام 1550 خصوصا بعدما قضوا على دولة المماليك في مصر الذين يرعون بلاد الحرمين في معركة مرج دابق عام 1516 وأصبحت بلاد الحرمين تحت رعايتهم، واستمر حكمهم في القطيف حتى عام 1671وتم هزيمة البرتغاليين في هرمز عام 1554 حتى انتهى الوجود البرتغالي في الخليج، وحل محلهم الانجليز عندما وقعت اتفاقية ميناب في 8 يناير بين الانجليز وإمام قلي خان أحد قادة الشاه عباس على تقاسم غنائم هرمز بعد طرد البرتغاليين من المنطقة.

أرسلت بريطانيا قوات للدولة الصفوية في 1622 لمساعدتهم في الاستيلاء على جزيرة هرمز ثم احتلوا بغداد 1624 مستغلين ضعف الدولة العثمانية.

ويستمر الصراع في منطقة الخليج إلى اليوم، لكن تغيرت الخريطة وموازين القوى، وظهرت السعودية كقوة ضاربة تقود ليس فقط الخليج بل تقود العرب والأمة الإسلامية، وبدأت تتربع على عرش عدد من الملفات العالمية، وبالأخص ملف الطاقة وملفات أخرى كملف السلام وحقوق الإنسان.

إيران والولايات المتحدة متعاونتان في العراق منذ عهد الرئيس كارتر وعهد الرئيس ريغان، لكن مهمة الولايات المتحدة أصبحت معقدة عندما دخل الرئيس جورج بوش أفغانستان وأسقط حركة طالبان العدو اللدود لإيران ثم دخل العراق عدو إيران، وسلم الحكم في العراق للشيعة حلفاء طهران، وجعل إيران قوة إقليمية.

ولم تكتف أمريكا بتوازن القوى بين ضفتي الخليج عندما سلمت بريطانيا منطقة الأحواز لإيران لتصبح قوة موازنة للسعودية في الضفة الأخرى من الخليج، لكن بوش جعل إيران قوة إقليمية كبرى حتى إسرائيل فيما بعد أظهرت انزعاجها من تمدد إيران بعدما تحالفت مع إيران في حربها ضد العراق حتى إن ريتشارد هاس يرى أن الحرب في العراق حرب الاختيار وليست حرب الضرورة روج لها مجموعة من المحافظين ولم تكن حرب روج لها القيادة العسكرية ولا الاستخبارات الأمريكية ولا وزارة الخارجية وحتى شركات البترول، ولكنهم مجموعة من المعارضين قدموا عريضة إلى الرئيس بل كلينتون عام 1998 يطالبون بالهجوم على العراق، لكنه رفض طلبهم على اعتبار أن العراق يشكل توازن قوى إقليمي ضد إيران.

وفي عهد بوش ساهموا في قلب موازين القوى لصالح إسرائيل، وكان نائب الرئيس ديك شيني يقول من يسيطر على تدفق النفط سيكون له التحكم في الاقتصاد العالمي على غرار نظرية ماكندر عندما قال من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على القلب ومن ثم يسيطر على العالم، خصوصا بعدما أعلن العراق عام 2000 أنه ينوي بيع بتروله باليورو، وكذلك أعلنت من قبل إيران عام 1999، والخوف أن يفقد الدولار قيمته بعدما ألغت الولايات المتحدة في زمن نيكسون عام 1971 إلغاء اتفاقية بريتوون وودز وفك ارتباط الدولار بالذهب وتعويمه، ولجأت الولايات المتحدة إلى ربط الدولار بالتجارة العالمية وبشكل خاص بالبترول وبقية المعادن خصوصا الاتفاق الذي جرى بين السعودية والولايات المتحدة عام 1974 في ربط بيع بترولها بالدولار مقابل الالتزام بحمايتها، خصوصا وأن الرئيس بوش من عائلة بترولية وكذلك ديك شيني مديرا لشركة بترول Halliburton.

هناك تحذير لسياسيين أمريكيين من السماح للصين بأن تصبح قوة مهيمنة، وأن تكون الإدارة الأمريكية حذرة من السماح للسياسات المحلية بالتأثير في دعم هيمنة الصين، وطلب هنري كيسنجر وزير الخارجية السابق أن الوضع الجيوسياسي الحالي يتطلب مرونة مثل تلك التي تحلى بها الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، خصوصا مع استمرار تغير الديناميات السياسية في المنطقة بقيادة السعودية التي تدعم توسيع النفوذ الصيني عبر التقاء رؤيتها بالحزام والطريق، خصوصا وأن الصعود الصيني يرتكز على الخارج لتأمين موارد النفط والمواد الخام اللازمة للصناعة، وتوجه الصين إلى منطقة الشرق الأوسط بوصفها أهم مناطق العالم ذات الموارد الاستراتيجية، بسبب أن السعودية مكنت الصين من الحصول على مزيج من الأدوات الاقتصادية والقوة الناعمة.

لذلك أتت الوساطة الصينية بين السعودية وإيران عنوانا على أول تدخل منفرد لقوة كبرى غير الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990 لإعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط الأمنية واحتواء صراعات المنطقة.

يبدو أن الولايات المتحدة لم تصدق ما قاله وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل رحمه الله ممازحا أن العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة ليس زواجا كاثوليكيا بل زواجا إسلاميا يسمح بتعدد الزوجات، لكن السعودية لا تريد الطلاق من الولايات المتحدة شجعها على تعدد العلاقات خصوصا بعد الهجوم الذي نفذته إيران عبر وكلائها عام 2019 لم تعد السعودية قادرة على التعويل على الولايات المتحدة لحمايتها من إيران.

تأتي جهود بايدن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل 2024 وتعمل على التطبيع بين السعودية وإسرائيل. وترى إدارة بايدن أن التقارب يمكن أن يكون قريبا، لكن السعودية لن تطبع حتى تحصل على خطوة إيجابية وكبيرة من إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وتود من أمريكا تنازلات بما في ذلك ضمانات أمنية ودعم لبرنامج نووي مدني والحصول على أسلحة.

هناك تحركات أميركية من أجل حلفاء أمريكا في المنطقة، لكن السعودية بعد ضربات منشآت أرامكو 2019، واحتجاز إيران سفينة نفط إماراتية خرجت من الفجيرة، تود ضمانات على غرار دول الناتو. كذلك إيران تعتبر روسيا هي الضامن لعدم تغيير نظامها، وهناك إجماع دولي أنه لتغيير النظام في سوريا وإعادة تأهيله لابد من كف يد إيران التي ترعى الإرهاب والمخدرات؛ فكما تضغط أمريكا على إيران من خلال قيادتها التطبيع بين السعودية وإسرائيل في المقابل دخول السعودية في منظمة بريكس يجعل روسيا تنضم إلى الصين للضغط على إيران من أجل وقف التصعيد.

تثبت أمريكا للسعودية والخليجيين أنها لم تخرج من الشرق الأوسط حتى تعود إليه، لكنها ستكون حاضرة بشكل أقوى مما سبق. ومن خلال تواجد هذه القوات كقوة ردع جعلها تتوصل إلى تفاهمات مع إيران حسب تقارير لتقييد النووي وضبط المليشيات الوكيلة في العراق وسوريا مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار ستستخدم حصرا لشراء الطعام والدواء.

الاتفاق السعودي الإيراني سهّل هذه الاتفاقية بعدما انهارت قبل نحو عام بسبب المطالب الإيرانية غير المقبولة أميركيا خصوصا مع خشية النظام الإيراني من عودة الرئيس الأسبق ترمب إلى البيت الأبيض الذي سبق أن انسحب من الاتفاق النووي عام 2018 المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، ووضع عقوبات مشددة على إيران.

اعتبر روبرت مالي – الذي غاب فترة لمساءلته منذ مايو 2023 – في تغريدة له أن هذه خطوة أولى، رغم أنه اتفاق غير رسمي لتقييد إيران برنامجها النووي بما يشمل معايير التخصيب الإيراني لليورانيوم بمستويات لا تزيد على 60 في المائة وضبط مليشياتها في كل من العراق وسوريا لتجنب انتقام قاس من الولايات المتحدة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى بمكة [email protected]
زر الذهاب إلى الأعلى