قبل أن يغادر السعوديون لبنان
الاستماع للمقال صوتياً
|
بيروت _ وايتهاوس
مقال الرأي بقلم يعرب صخر
من المفترض أن لا ينظر لمسألة دعوة المملكة العربية السعودية رعاياها مغادرة لبنان على أنها حدث استثنائي لافت، بل ولا تجب المسارعة على إثره إلى رمي الفرضيات والتخمينات وراء هذا الأمر كيفما اتفق.
عموماً؛ برأيي وبرأي كل متابع أو معايش للوضع اللبناني اليومي الذي يعاني من الفلتان الواسع والتسيب الأمني غير المسبوق والأخطار المتنقلة والتهديد المتكرر للسلامة العامة، إضافةً لتحكم الميليشيات المسلحة بالشارع اللبناني وإشاعتها الفوضى المستدامة، سيكون من غير الطبيعي أن لا تدعو السعودية وغيرها من الدول رعاياها للمغادرة حفاظاً على أمنهم وسلامتهم. دعتهم الأمس، تدعوهم اليوم، وستدعوهم غداً وبعد غد؛ طالما بقي لبنان على هذه الحال.
أقول هذا ويعتصرني الألم على بلدي لبنان الذي كان قبلة العالم ومقصد العرب وموئل المحبين والغيارى. لكن علينا الإقرار بواقع شاذ غيّر وجه لبنان حين استباحته الأيادي السود وعبثت به.
هذا بالتصوّر العام؛ أما بالخاص والمباشر؛ فإذا تقصينا مفاعيل الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، نستطيع تلمس الأجوبة على كثير من التساؤلات.
لقد تأكد للسعوديين أن الاتفاق تقتصر مفاعيله على الجغرافيا السعودية حصراً؛ فلجهة الفقرة التي تقول باحترام سيادة الدول في الإقليم، أعلنت إيران بتصريح لسفيرها في بيروت ان هذه الفقرة لا تتجاوز حدود السعودية. وفعلاً استمر حزب الله في تحدي الجميع بتأكيد ترشيحه لسليمان فرنجية والتمترس خلف مرشحه مهما طالت مدة التعطيل. وفي اليمن استمر تسليح الحوثيين وما زالوا يناورون في تعز، ودون إبداء أي رغبة ببدء المحادثات حول الحل السياسي؛ أما في سوريا فالمسالة حسمت لصالح إيران، فبشار الأسد ليس فقط غير قادر على الحد من نفوذ إيران بل لا يرغب في ذلك لأن شرعيته كـ ’ممانغ’ لا ياخذها إلا من إيران، وكل ما يمكن أن يساير فيه السعودية هو تخفيض تصدير الكبتاجون؛ وها هو العراق يبيع الآن أهم مرافق اقتصاده لمؤسسة الإنشاءات الهندسية والزراعة والصحية والاجتماعية التابعة للحشد الشعبي مع ميزانية أولية تزيد عن مليارين ونصف توفرها وزارة المال العراقية.
لا صواريخ من الحشد ومن إيران ومن اليمن على السعودية ولا مسيرات، هذا كل ما حصلت عليه السعودية.
و بالعودة إلى لبنان، فقد أصبح بكل مفاصله وأركانه أسيراً محتلاً في قبضة إيران وشق ميليشياتها اللبناني: حزب الله، إنه الحزب الذي يضع السعودية على رأس قائمة أعدائه بعد أن أمن جانب إسرائيل وأميركا بعقد اتفاق الترسيم البحري والتخلي عن ١٤٣٠ كلم٢ بحري وما تكتنزه من ثروات الطاقة لإسرائيل؛ وقبلها تسبب بتفجير ٤ آب ليموت مرفأ بيروت ويحيا مرفأ حيفا؛ ثم انبرى لترويض الفصائل الفلسطينية في المخيمات اللبنانية ليضعها بأمرته مفتعلاً الأحداث الأمنية فيها، مبتدئاً بمخيم عين الحلوة.
زرع الفوضى وعدم الاستقرار في لبنان، وتهديد اللبنانيين بتجديد أحداث ٧ أيار والطيونة وعين الرمانة وقلاقل الحرب الأهلية، إلى جانب كل ما ذكرناه أعلاه، رسائل حامية لاحتكار الساحة اللبنانية والإمساك بمؤسساتها من رئاسة وحكومة ومرافق وإدارة وحتى جيش.. كله خدمة” لإيران في مبارياتها الجيوسياسية غير الودية مع العرب، وبالذات مع السعودية.
إن عمليات خطف سعوديين وخليجيين، والسفاهة المتكررة في الدبلوماسية اللبنانية تجاه دول الخليج، واستقبال حماس وتدريب الحوثيين في لبنان، ثم افتعال الأحداث الأمنية في المخيمات الفلسطينية واغتيال قادة السلطة الشرعية الفلسطينية فيها، فضلاً عن الأخطار والتهديدات والفلتان في كل لبنان، كلها دواعي لقرار المملكة بإعادة رعاياها من لبنان، وستتكرر وستتبعها دول أخرى؛ هذا في الظاهر، لكن في الباطن يكمن السبب الأصل في تعثر الإتفاق السعودي الإيراني وفقدان الأمل بتغيير سلوك الممانعين والنظام السوري من أتباع إيران.
وتبقى الخشية الكبرى في محاولة الهروب إلى الأمام لكلا النقيضين الحميمين: نتنياهو من أزماته الداخلية، وإيران وأذرعها من حصارها، باتجاه توتير محدد ومحدود قد يتسع مداه، بينما تنبّهت له السعودية واستبقته استدراكاً بخطوتها الأولية بسحب الرعايا…
والآتي أعظم.